ما يصعب على الناس فهمه منذ القدم إلى أيامنا هذه تفسير هذا التساؤل"كيف تكون مثقفاً" وما ينطبق عليه هذا المصطلح، ولو تناولنا الموضوع بشكل خالص لأخذنا بقول"إريك فروم الذي يقيم تمييزاً بين الأنا والذات، أي بين مايكون به الإنسان ليمثل كينونته، وبين مايمتلكه وكيف يمكن استبداله أو تعويضه أو إلغاؤه، داخل الواقع المعاصر الذي يؤسس لثقافة استهلاكية أساسها الملكية التي تضخم من رصيد الرغبات والعمل على تنميطها وتعميمها". لهذا يتم تقسيم مصطلحات الثقافة والمعرفة تبعاً لجدليتها الداخلية، وأول المعارف هي معرفة الإنسان لذاته، وماذا يملك من وعي ومن يقين ومن شك ومن حقيقة، ومن بيئة تعتمد على التحاور الجيد ومساهمة الإنسان في التطور وثقافة المجتمع. فالإنسان المثقف هو الذي يعزز قدراته العقلية والبدنية ويشكل مظهره العام ويحدد نوع العمل الذي ينخرط فيه لأن فاعلية البشر وقدراتهم تعتمد على إنتاجهم، فالإنسان لا يولد جاهزاً للحياة بل يمر بعدة مراحل مفصلية، إما تستعبده الظروف أو تحرره لكي ينطلق إلى المجتمعات ويتجاوز جميع المحبطات سواء كانت رتابة أو تعاسة أو جهداً بلا معنى. فالثقافة هي مجموعة من العادات والقيم والتقاليد كما هو متعارف عليه وفي معناها الأساسي ما يكتسبه الإنسان من علوم ومعارف، وسلك الطرق المؤدية إلى الثورات العلمية منذ البدايات حتى النهايات، والعمل على زراعة العقول والحفاظ على خصوبتها من التصحر، فإن اتجاهات الحياة في تغيير مستمر تتجدد معها مواطن القوة الإبداعية العلمية والمعرفية، ولعلنا نظفر بتشخيص العلاقة بين الدرجات العلمية ومفهوم الثقافة ورفع اللبس بينهما، إذ أن العلاقة بينهما تعزز وجاهة المثقف ومكانته العلمية والوظيفية. وحسبنا، هاهنا، أن نقول، إن الجوهر الإنساني حاضر على مستوى كاف من تنظيم كيانه وأهمية موضعه في الكون مهما كانت الطرق التي يسلكها، وهكذا يكون الذهن البشري مختزلاً لكل التجارب "التي يتشكل من خلالها الفرد وتتكون القدرة على الفعل، وبالتالي على مقاومة هذا العالم اللاشخصي الجماعي، المصلحي، الذي يمثل عالم السلطة بكل وجوهها على حد تعبير مارسيل موس". ولعل السبب في ذلك يكمن في قدرة الإنسان ومقاربته للأشياء بعمق من زوايا متعددة وعلى نحو واع بعيداً عن الغموض. لذلك تجد أن كل مفكر ومثقف شجاع يعطى عطاء عفوياً خاصاً بعيداً عن التبعية والتقليد، وله قدرة التفطن وتصحيح مسار الانحرافات الاجتماعية، ويحرص من الفخاخ التي تنصب له ولكلماته وأفكاره ودلالاته، ويعد ذلك معياراً لنجاحه. وتطور المجتمع الحديث أعطى أهمية قصوى للعلوم والمعارف وحرّض على دخولها إلى دائرة العقل، من خلال تجارب الفرد الذي عمل على تصحيح الأخطاء والمغالطات وشيّد كوناً منسجماً ومتناسقاً يؤهله ليكون مثقفاً. وهذا يعني أن الثقافة هي مشاركة جميع الأشياء بجميع تخصصاتها دون استثناء، وتعد نمطاً متكاملاً يشير إلى تحالف العلم مع التقنية ومفهوماً أنثروبولوجيا أهم مدارسه تشمل الأسس الثقافية الإبداعية، فتجد أن العروض التي يبني عليها الفرد الثقافة الأخلاقية بعيدة عن التأويلات والتشوهات، كونه مستقلاً يرى ما يريد أن يراه ويصد عن اللهو والأنا واللامنطق ويجعل تصوره المتزامن والمعاصر يتجاوز سياق الاكتشاف المتكرر والاطلاع الروتيني، ويعمل على فسح المجال للتفاعل.