جاء مهرجان «رؤى أفريقيا» لهذا العام، تظاهرة عالمية ترمي إلى عرض المنتجات الفنية الثقافية الأفريقية وجعلها جسراً للتقارب والتعايش داخل شعوب القارة السوداء وخارجها. وانطلقت فعاليات المهرجان في دورته الواحدة والثلاثين في 29 نيسان (أبريل) لتنتهي في 3 أيار (مايو). واشتملت على عرض نحو من 80 فيلماً من 31 بلداً، فيما اقتصرت مشاركة العرب فيها على الجزائر والمغرب ومصر. ولقد انتهى المهرجان بعرض وثائقي تكريماً لشخصيتين عربيتين هما الكاتب المغربي طاهر بن جلون والروائية الجزائرية آسيا دجبار الراحلة حديثاً والتي عُرفت كسينمائية أيضاً. علماً أن لجنة تحكيم المهرجان تضم الجزائرية سارة ناصر، المديرة العامة لـ «منتدى المستقبل». تعاون جزائري - كيبيكي في هذه التظاهرة، مدّت الجزائر الشاشة الكندية لأول مرة، بمجموعة أفلام وثائقية قصيرة تعود لخمسة مخرجين جزائريين وكيبيكيين يصوّرون، بعد خمسين سنة على استقلال الجزائر، مجتمعاً جزائرياً غير موحد ثقافياً ووطنياً واجتماعياً. مهما يكن، يحاول هؤلاء المخرجون أن يجعلوا الحب عنصراً جامعاً لأعمالهم يقوم على التعايش والانفتاح والمشاركة، تحت عنوان عريض هو «الجزائر حبي- Al Djazaïr Mon Amour» . ففي «إيقاع الزمن– au rythme du temps» للمخرج إلياس جميل (مهاجر عاد من منفاه إلى الجزائر بعد 21 عاماً) يتحدث عن ألوان من الموسيقى الجزائرية الصاعدة وإقبال الشباب عليها رغم معاناتهم الاجتماعية والفنية والمهنية وتعرّضهم لرقابة الحركات الأصولية المتحكمة بالبلاد والعباد واستحالة تعايشها مع الحداثة والعصرنة. وفي سياق آخر، يستكشف صموئيل ماتو في «كريم وهاجر- Karim +Hadjar» موضوعاً عالمياً عن الحب تحت الحجاب. ويعتمد فيه على موهبته السينمائية، وعلى اختياره لقصة تحفل بالإيحاءات والصور والحب المكبوت والرغبة الجامحة للانعتاق والتحرر. أما يانيك نولن، فيبدو فيلمه «1-2-3 تحيا الجزائر-Viva Algerie» مثيراً للاهتمام، إذ يقتصر على رجال في مقهى يتابعون وصول الجزائر إلى تصفيات كأس العالم الأخيرة. فمن خلال بعض المشاهد المؤثرة تكشف كرة القدم المحببة إلى قلوبهم عن ملامح الأمل والإحباط، الفرح والخيبة، التي تبدو على وجوههم بين الحين والآخر. من جهة أخرى، يقدم غيّوم فورنييه في فيلمه الخيالي «فكرة لأجل الغد- Idee pour Demain» عملاً يعكس مدى الحب والحنان كجامع مشترك بين أخوين متفاوتين في العمر ومتعلقين أحدهما بالآخر. أفريقية - عربية في هذا الجانب من المهرجان، يقدم المخرج المغربي هشام العسري فيلمه الطويل «البحر من ورائكم»،في بلد غابت عنه الألوان، وتلوثت مياهه بظاهرة غريبة هي «بق المياه» (نوع من الحشرات المائية) وأتت على كل شيء. ويعيش في هذا البلد رجل يدعى «طارق» تخلى عنه والده وتحول إلى مثلي يرتدي ثياب النساء ويتبرج مثلهن. ويرقص على عربة يجرها حصان يحتضر. ذات يوم يقف الحصان ويعجز عن متابعة المشي، فتنتاب طارق نوبات عصبية وتسوء حاله ويجد نفسه بعيداً من العالم. باختصار، يبدو الفيلم، على رغم تناقض المشاعر والمواقف فيه، محاولة سينمائية تنتصر لقيم الفن والانفتاح والحرية، وتعبر عن مسار جديد لجيل من المخرجين الطامحين لأخذ مكانهم في صناعة السينما المعاصرة. وفي السياق المغربي أيضاً، يعرض المخرج كمال لزرق فيلمه الخيالي القصير «مول للكلب– MOUL ILKELB» (ناطق بالعربية، حوالى 29 دقيقة) لحياة يوسف (بطل الفيلم) الذي يعيش حياة هامشية لا يجد فيها صديقاً سوى الكلب (شاغادي) الذي اختفى ذات مساء على الشاطئ، فقام بمغامرة عبثية للبحث عنه في أعماق الأحياء الشعبية في الدار البيضاء. وأمام إخفاقه بالوصول إلى الكلب، يقع يوسف في حالة من الجنون وفقدان الوعي. أما الفيلم المصري الوثائقي المتوسط «علياء الثورية عارية» (52 دقيقة) للمخرج الفرنسي بيير توري، فيلفت إلى أول حالة احتجاج لمدونة مصرية (علياء ماجدة المهدي- 20 ســــنة) تظهر عارية كلوحة إعلانات للتنديد بالأنظمة العربية التي تسلب المرأة الكثير من حريتها وحقوقها (هذا الأسلوب في التعري والاحتجاج تنتهجه منظمة «فيمن» العالمية)، وعلى هذه الخلفية، تهدَّد عليا بالقتل من قبل متطرفين، نساء ورجالاً، في ميدان التحرير بالقاهرة، وترغم على الفرار من بلدها.