إن الفكرة الشاملة ليست رهناً لأشخاص تجمعهم سمات مشتركة، تتفق مع مصالحهم وتتفرق بين أشياء مختلفة، وليس الغرض من كتابة هذا النص مشاهدة مزيد من العروض حول العلاقات، وإنما لكي نوضح نشاط الذات والدوافع الكامنة والمحيطة، حسب نوع الحياة ومقدار المادة، والالتزام بدلالات المجتمع، وتاريخ المسؤولية، وسياق الطبيعة وحدود المبادئ. إن الإنسان العربي يعنى بكثير من الأفراد ويعيش بصحبة الجماعة، ولا يوجد بينهم فرد بلا مسؤولية، أو شعور بالقلق، مما أضاف إليه تكليفاً إضافياً ونصيباً وافراً من النضج النفسي، ليتخذ قرارات مسؤولة تجاه حماية من ينتسب إليه سواء كانوا من الأسرة أو القبيلة أو الجيران، كلا حسب أولويته، مما يجذب إلى القول إن مسؤوليته مطلقة ومهامه كبيرة، ثم إن التطلع إلى المستقبل يحفه القلق والاضطراب. غير أنه يستثنى منها العلاقات الأسرية التي تجمع بين الأب والأم والأبناء، فهي لن تكون همزة وصل بين العلاقة والمنفعة، بل هي مسوغ يدل على التكوين والاستمرار المفروض بعيدا عن المنفعة، بل كحزمة من الواجبات. وهكذا تضاف ازدواجية المعايير التي تشكل حقيقة الإنسان العربي، وتعدد وظائفه في الحياة التي يقوم بها تجاه أسرته ومجتمعه، مما يجعله يتحمل فوق طاقته، معنويا وماديا، فيلعب التعسف دورا كبيرا من خلال الأدوار التي يؤديها إلى جانب التمرد الذي يكتظ بداخله، ثم يتفاقم الحس والميثاق الأصلي للمسؤولية التي تكون دولة العقل ومنه الفكرة الأخلاقية، والموضوعية، التي تعنى بالمجتمع الصغير وتشترك مع الجماعة، وتنظم أنشطته وتلبي حاجاته. على الرغم من الطابع الموضوعي الذي نزع الجانب الحيوي والمدهش في هذا التقارب والعلاقة الأسرية، حيث حول العصر البيئة والأسرة إلى عالم كوني صغير، يستحث الكد والسعي كقوة واحدة لحماية جوانب متعددة من الحرمان، ويمضي شيئاً فشيئاً لمحو الاختلاف من نمط الحياة الجديد الهائل إلى متعة حقيقية وتوازن حقيقي يوفر حياة كريمة، وبناء تعاون جماعي يشمل الأصدقاء والأسرة. فهل من الممكن الاستنتاج بأن المجتمع المنضبط هو الذي يهتم أفراده ببعضهم، ويكّون مفهوم الأسرة الصحيح، ويقدم نفوسا سليمة للحياة والمجتمع كأعضاء فاعلين ومنتجين، عوضا عن اضطرابات تسكن في أعماق الآباء من تكدس المسؤوليات، وتتصاعد إلى أن تستقر في أعماق الأبناء، أم أنكم تخالفوني الرأي والتحليل..؟ ولكني وجدت بالمقابل، إن الضمان الوحيد لنجاح هذه العلاقة الابتعاد عن الأفعال المتوراثة، بل العمل على إظهار العلامات التي تشكل أصالة الترابط وتطبيق شروط كل ما هو إنساني، بمثابة قاعدة تحقق الكفاية من الحب والود والتفاهم والاحترام، ورغم الاعتراف بقدسية هذه العلاقة التي تشغل جميع الأفراد ببعضهم، إلا أن الحفاظ على نقاط هذه الروابط يعد من الصعوبة، لأنها تنتمي للمشاعر والسيطرة والتبعية. وإن أبسط الخطوات والطرق لإدارة ناجحة، هو التعايش وفق الظروف المحيطة، والتكافؤ مع كل ما هو صارم بفكر يدفع إلى توظيف المكتسبات والمعطيات توظيفا إيجابيا، يجسد مهارات السيطرة وتأخذنا هنا فلسفة الانتماء والعلاقات الأسرية إلى "جيل لندنفيلد" عندما قال: (ستجد استبياناً مصمماً لمساعدتك على تقديم مستوى مهاراتك العاطفية المسؤولة، فإذا وجدت ان هذه المهارات بحاجة للتحسين). فلا تتردد لأن خلفك نفوساً كثيرة تنتظر التعامل بفاعلية مع بقية المشاعر المختلطة التي تذيب العلاقات فيتلاشى الولاء والانتماء العاطفي والرابط الأسري، ثم تتوارد الانفعالات نتيجة للخوف من ضياع الهدف الذي يجمع أجساداً طمعاً في حياة فاضلة، وأما التغييرات التي تطرأ على الكل قبل الفرد فهي تعاقدات متعلقة بالظروف والإمكانيات والتي تميز بين الالتزام والمسؤولية. ويروي لنا "جيل لندنفيلد" ايضا قصة (ديريك مهندس معماري حاصل على عدة جوائز، وقد شارك، منذ عدة أعوام، أحد أصدقائه من المتخصصين في المباني التجارية الكبيرة، ونظراً لفترة الركود الاقتصادي، وما نتج عنها من قلة فرص بناء المنازل، فإن "ديريك" قد تحول إلى أداء دور المساعد لشريكه في التعاقدات التجارية، أما الآن وقد انتعش نشاط البناء مرة أخرى، فإنه لا يبادر باتخاذ أي خطوات للحصول على أنواع العقود التجارية التي تسمح له باستخدام ملكاته الإبداعية، ويعترف "ديريك" بابتسامة واعية قائلا: اعتقد إنني قد اخترت الخيار السهل والآمن، حيث إنني لست فخوراً بنفسي ولكن يبدو أنني لا استطيع القيام بشيء تجاه هذا الأمر)، لم يستطع "ديريك" فعل الكثير لأنه فرد قد تحرر من مسؤولية الجماعة، وعاش فتوراً عاطفياً اندمج في حياته العملية حتى تحول إلى وضع متدنٍ، لا يشعر إلا بذاته فقط، فهو نتيجة تخلٍ أسري صادفه أو فشل عاطفي تعرض له، ووالدين لم يقدما له الحماية والرعاية الكافية ليصبح رجلا ذا علاقة مواتية تستطيع تكوين أسرة يعمل من أجلها.