الدوحة -الراية: أكّد فضيلة الداعية د. محمد رجب المستشار الشرعي بمؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية "راف" أن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وهدية يسع العالمين، محذرًا من أن يخرج أحد من السالكين إلى الله تعالى عن هذا الهدي؛ لأنه هو ما يناسب فطرتنا وما خلقنا الله عز وجل عليه من الاتصاف بالضعف والإعواز والحاجة. وأشار إلى أننا كمخلوقين تفتقر أجسادنا للراحة والسكون، وإن جبر تلك النقائص الجبلية والإعواز صفة من صفاتنا لا تنفكّ عنا، ولهذا فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالهدي الذي يتمم ذلك ويوجهه ويضبطه على أكمل الوجوه وأوفاها. وأوضح د. رجب في المحاضرة التي ألقاها بمسجد أبو بكر الصديق ضمن سلسلة محاضرات الشمائل المحمدية التي تنظمها مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية "راف" بالتعاون مع إدارة الدعوة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أنه إذا أراد الإنسان أن يقضي أي أمر مما لابد له منه فإنه سيجد في هدي النبي صلى الله عليه وسلم ما يستنّ به، مؤكدًا أن هذا الهدي شامل ولا يقتصر على الصيام والزكاة والصلاة والحجّ والجهاد والإمارة والإفتاء والقضاء، بل إنه يشمل كل شيء من ضحكه وطعامه وشرابه وملبسه وسمره مع الأولاد والأهل في الدار وكذلك في نومه صلى الله عليه وسلم. نماذج هدي الرسول وأشار د. رجب في مستهل محاضرته إلى عدد من نماذج هديه صلى الله عليه وسلم، مستندًا في أحدها إلى حديث البراء بن عازب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه وضع كفه اليمنى تحت خده الأيمن، وقال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك وأضاف: إنها حقيقة نومة المساكين، وقد دعا صلى الله عليه وسلم ربه بذلك فقال " اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين". وقد أَراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك التواضع والإِخْبات، وأَن لا يكون من الجبارين المتكبرين. أي: خاضعًا لك يا رب ذليلاً غير متكبر، وليس المراد هنا بالمسكين الشخص الفقير المحتاج، فنومته وقومته وجلسته صلى الله عليه وسلم توصف بالمسكنة، فكان صلى الله عليه وسلم نموذجًا للذين يريدون أن يسكنوا قلوبهم بمعرفة الله تبارك وتعالى، فإن القلب الذي لا يسكن ثائر أرعن لا يستقر.. ونوّه إلى أن المسكنة التي كان يعنيها النبي صلى الله عليه وسلم ليست كمسكنة الناس عن اكتساب الأموال والأسباب التي يحسنها أهل الدنيا، فالمسكنة هنا هي مسكنة القلب إلى الله تعالى مصداقًا لقول الله عز وجل "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا" فهؤلاء هم المساكين وسيدهم سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام. تذكرة لأهل الدين وذكر أن نومته وكل شيء في الدنيا إنما جعل تذكرة لأهل الدين بميعاد رب العالمين، فهم وإن كانوا يعيشون بأبدانهم في الحياة الدنيا فقلوبهم متعلقة بالآخرة في كل حالهم في السراء والضراء والمنشط والمكره يتلمسون موضعًا للنفاذ إلى الدار الآخرة، فقلوبهم متعلقة بالله تسبق الأبدان بالاشتياق له عزّ وجلّ وتسمو بجريان الأقدار مما تحب فتذكر الله بأسمائه وصفاته وتتعبد إليه بنعمه الجميلة وتتذكر بما ادخره الله من نعم لها في الآخرة مما يفوق ذلك من النعيم في الجنان والقرب من الرحمن فسكن قلبه واستبشر بعاجل تقدير الله له بما يحبه، وإن أصابه مكروه أو ما يضرها من أقدار الله عز وجل تتعبد إلى الله بأسمائه وصفاته بما يناسب ما أصابها وتذكر وعيد الله عز وجل لأهل الفسوق والفجور والكفران من جهنم وشديد العذاب في النيران. وقال إن كل شيء في الدنيا يذكره بالآخرة وبسيره إلى الله تعالى في الآخرة، فكل حياته وما يحب فيها ويكره حتى جلسته مع إخوانه وأهله يذكر بهم ذلك الجمع المبارك في الآخرة فإذا فارقهم تذكر قول الله تبارك وتعالى "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" كل الحركات والسكنات تذكر أهل الصلاح بالله وبوعده ووعيده، فإن كانوا يعيشون بأبدانهم بين الناس فقلوبهم وأرواحهم معلقة برب الناس. قدوة لنا وأضاف المستشار الشرعي بمؤسسة راف: نبينا صلى الله عليه وسلم كان قدوة لنا في ذلك بقوله عند نومه ربّ قني عذابك يوم تبعث عبادك، فإنه يذكر بتلك النومة الموت الأصغر" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" مذكرًا القلب المؤمن بالموتة الكبرى وقومة المؤمن من الموتة الصغرى من نومه تذكره بقومة الأبدان الكبرى في الآخرة، فالقلوب يقظة متذكرة وعد الله ووعيده وحساب الله عز وجل والوقوف بين يديه، ومثل هذا الدعاء من سيد المرسلين أشرف الخلق أجمعين وأعرفهم برب العالمين يقطع قلوب المؤمنين ومن الاستعاذة بالله التي لم تصدر عن تكلف ومداراة بل تحقيقًا لخشية الله، مع أن الله عز وجل حرم أن يدخل أحد الجنة حتى يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم أولاً. صدأ القلوب وتساءل د. رجب : إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معرضًا للعقوبة يوم القيامة ويخشى الله منها حتى إذا أتى نومه سأل الله عز وجل واستعاذ من عذابه، فكيف بنا نحن وقلوبنا قد صدئت من الغفلة والبعد عن الله عز وجل، والنبي صاحب لواء الحمد والشفاعة يسأل الله ويستعيذ به ؟ وأشار إلى أن هذه قلوب العارفين بالله أهل الدين الذين يدركون أنهم كلما ترقوا عرفوا أنهم ما ترقوا ونبه إلى أن طالب العلم لو تسنن في الظاهر وحفظ كلام رب العالمين وقُدم للإمامة يشعر أنه ترقى في طريق التدين، وهذا خطر عظيم فقد يكون تقدمك في تأخرك في نفسك، فإذا رفعك الله تبارك وتعالى وكان ذا مقام عند الله عز وجل كان متواضعًا في نفسه وعلى عباد الله، ومن رأى في نفسه علوًا على الناس وعلى إخوانه فعليه أن يدرك أن ما فيه ليس من باب الترقية وإنما رقت نفسه نفسه فهو مغبون. تزكية النفس وأوضح أن العارف والعالم بالله لا يعرف نفسه ولا يزكيها بكونه عالمًا، والمخلص لو أدرك أنه مخلص لم يعد مخلصًا، والزاهد لو وضع في نفسه أنه زاهد لم يعد زاهدًا، فلابد من تواضع الإنسان في نفسه حتى يرفعه ربه، فمن تواضع لله رفعه، فالتقدم في طريق الله يأتي بازدياد معرفة الله ومن زادت معرفته بالله ازداد معرفة بجهل نفسه وأن عبادته لا تليق بجناب الله عز وجل. وذكر أن النبي وهو أعرف الخلق بالحق، كان إذا صلى استغفر الله ثلاثًا بعد صلاته، داعيًا إلى عدم الركون إلى العمل والإعجاب بالنفس وقال: لقد ابتلينا بخوض الناس صغيرهم وكبيرهم في كل شيء تحت حجة عدم التقليد، والبعض يتكلم في أمور ويقرر حقائق لا يعلم فيها شيئًا بكل جراءة ويستشهد نفسه في الأحداث والنوازل في غير ما شهد ويجادل بغير علم ولا هدى، وهذا إن دل فيدل على مرض النفوس وعدم التواضع، وهذا للأسف متكرر، وليس كل ما يعرف يقال والكثير من التجارب لا ينبغي التحدث بها لعظم المفسدة وانعدام فائدة المعرفة بها لك، ومعرفة كل شيء لا يكون لكل الناس كوسائل التواصل وغيرها دون تقدير لأهل النهى والأحلام والمشورة.