لم يكن متوقعا من السياسي والقيادي اليمني البارز خالد محفوظ بحاح أكثر مما قاله في حديثه الأخير لقناة الجزيرة القطرية مساء الجمعة الماضي عن الأزمات المركبة والأوضاع الإنسانية والكارثية التي تواجه المجتمع اليمني في اللحظة الراهنة والتداعيات التي قد تنجم عن إدامة واستمرار هذا الوضع لفترة أطول.. لكن ما لفت نظري في ذلك الحديث هي تلك الجزئية التي تطرق فيها المهندس بحاح إلى علاقة مجلس التعاون الخليجي باليمن والذي يشكل الخاصرة الجنوبية لهذه المنظومة وبالذات وانه من حاول في هذه النقطة تحديدا أن يقدم توصيفا دقيقا لمسار تلك العلاقات من منظور السياسي الخبير الذي يحرص على أن يضع النقاط فوق الحروف بعيدا عن التزلف المخادع أو المنطق المبتور عن المصداقية والموضوعية والشفافية لذلك فقد أشار إلى أن مسألة اندماج اليمن إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي قد ظلت تراوح بين المنظور التكتيكي وخطاب حسن النوايا مما حال دون التوصل إلى خطة إستراتيجية لاحتواء اليمن في نطاقه الجغرافي والديمغرافي والاجتماعي الذي يؤثر فيه ويتأثر به الأمر الذي ترك هذا البلد لعقود يعوم في الفراغ وموجات الصراعات والانقسامات والاحتراب الداخلي والفوضى التي تسلل من ثغراتها كل من أراد العبث به أو تصفية حساباته مع الآخرين من بوابته التي بدت مشرعة أمام أي قادم على الرغم من خطورة ذلك على السيادة اليمنية والأمن الإقليمي عموما. ومثل هذا التوصيف لا شك وانه الذي يبرز بوضوح على أن ما جرى في اليمن ويجري كان نتيجة طبيعية ومتوقعة فكل المواقف التي واكبت الحراك اليمني منذ عام 1995م والمحاولات التي بذلها من اجل الانتقال بعلاقاته بمحيطه الخليجي من منظور الجوار إلى دائرة الشراكة واندماج المصالح تدل فعليا على أن كل الخطوات التي اتبعت في هذا الجانب لم تكن دون المستوى المطلوب أو على الأقل لم تكن في درجة التحدي الذي شكله بقاء اليمن خارج نطاق المعادلة الأمنية والاقتصادية الخليجية. ولكي لا نذهب بعيدا فإننا الذين نعيد التذكير إلى ان واشنطن في ابريل عام 2011م وحينما وجدت أنها التي لا تمتلك نفوذا فاعلا في اليمن يمكنها من تطويق الصخب الذي أحدثه تسونامي (الربيع العربي) في اليمن فقد لجأت إلى رمي الكرة إلى ملعب مجلس التعاون الخليجي على اعتبار أن دول هذا المجلس هي الأجدر في الانخراط بالأزمة اليمنية ومنع انزلاق هذا البلد في طريق التشظي والانقسام ثانية بين جنوب وشمال وشرق وغرب تائهين في تفاعلات صراعات المركز على السلطة بعد أن أدركت واشنطن أن تسليمها الملف اليمني للدول الخليجية ليس أمرا طارئا وإنما هو الذي يندرج في إطار سياسة الحفاظ على المصالح الإستراتيجية في شبه الجزيرة العربية كلها وبواباتها وممراتها البحرية والبرية ومع كل ذلك فقد يكون من الغريب أو غير المفهوم أن نجد دول الخليج تتخلى عن مسؤوليتها في الإشراف على مجريات استحقاقات المرحلة الانتقالية التي وضعت محدداتها (المبادرة الخليجية) بعد أن سلمت هذه المهمة كليا للأمم المتحدة التي لم تكن متحمسة ربما لإخراج اليمن من أزمته لذلك فقد فشلت في إدارة عملية الانتقال السياسي وتنفيذ مخرجات الحوار بل إنها من أخفقت في وقف التدهور المتصاعد الذي أوصل اليمن إلى هذا الوضع الخطير لكونها من راهنت على عامل العقوبات وضغوط مجلس الأمن التي عقدت المشهد أكثر مما كان عليه عام 2011م. لم يبخل الخليجيون في تقديم المساعدات إلى جارهم الجنوبي فقد كانوا على الدوام عونا له إلا أن مثل هذه المواقف لم تستند إلى رؤية إستراتيجية من شأنها أن تفضي إلى ضم هذه الدولة إلى منظومتهم الإقليمية واحتوائها ضمن مشروع إنقاذ اقتصادي كبير يمنع قيام حزام فقر يتهدد امن واستقرار المنطقة فقد ظل اليمن مجرد ضيف شرف على طاولة ذلك التجمع وبعضوية جزئية رغم توفر الشرط الجغرافي والديمغرافي والتمازج التاريخي والاجتماعي والوجداني وهنا تكمن حقيقة ما قصده ربما القيادي والمسؤول اليمني خالد بحاح والحق ومن حيث المبدأ أن مسألة مصيرية كهذه تستدعي إدراك الجميع أن كلفة إدماج اليمن في منظومة مجلس التعاون هي اقل بكثير من الأثمان الباهظة التي ستترتب على تركه خارج هذه المنظومة ولا بد وان الكل قد استوعب مؤخرا أن سد الثغرات في اليمن يبدأ بسد ثغرات الفقر والتخلف الذي يكاد أن يلتهمه ويودي به إلى حافة الهاوية والضياع.