تكرس الجامعة اليمنية قيماً ثقافية تقليدية ما يعزز من بروز العصبيات الجهوية والطائفية ويجعل من التعليم الجامعي عقبة إضافية أمام عملية التحول الديموقراطي. ويسخر الطالب في جامعة صنعاء أيمن سعيد (24سنة) من أساتذته، ويتساءل قائلاً: «هل هذه جامعة أم ثكنة عسكرية أم فقاسة عصبيات؟». مناسبة سخرية أيمن من الجامعة وأساتذتها هي تأييد بعضهم الحرب التي تشنها جماعة الحوثيين الانقلابية على عدن ومناطق يمنية عدة، وصمتهم عن انقلاب الجماعة المسلحة الموالية لإيران على النظام السياسي وحلها البرلمان. وخلافاً لمنطق العولمة الذي يفترض تقويض الحواجز والحدود والتقارب بين الشعوب انطلاقاً من قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، تبتعد الجامعة اليمنية بشقيها الحكومي والخاص من آفاق اللحظة وديناميتها وتبدو مسكونة بثقافة عصبوية وشمولية. وتقول طالبة الدراسات العليا بسمة عبدالملك: «اعتقدنا أن تأييد أساتذة جامعيين الحوثي هدف للتخلص من هيمنة عائلة الشيخ الأحمر، لكن استمرارهم في تأييد الميليشيا الانقلابية كشف أن تحيزات المدرس الجامعي لا تختلف عن تحيز المسلح القبلي وتبعيته لهذا الزعيم أو ذاك». وأكدت دراسة حديثة تناولت ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية، عدم وجود اختلاف كبير بين الثقافة التقليدية للمجتمع اليمني والثقافة السائدة في الجامعات اليمنية. وبينت الدراسة التي أعدها الأستاذ في جامعة إب الدكتور أحمد الهبوب، أن «الجامعة اليمنية مجرد تابع للمجتمع تعكس سلبيات جموده وتحافظ على الوضع القائم وتقاوم ثقافة التغيير». وينخرط أساتذة وطلاب في الصراعات الاجتماعية والسياسية القائمة على أساس جهوي وطائفي. ومنذ حرب صيف 1994 الأهلية تصاعدت النزعات الجهوية والمذهبية وامتدت إلى الحرم الجامعي. وشكل الجامعيون جزءاً من الحركات الجهوية مثل الحراك الجنوبي والحراك التهامي كما من الانقلاب المسلح على حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي في أيلول (سبتمبر) الماضي. وترافق الانقلاب على هادي مع بث مخاوف تزعم أن الزيدية مهددة بسبب هيمنة «الشوافع» على السلطة. ويشكل اتباع المذهب الزيدي نحو 30 في المئة من إجمالي السكان، وحكم الأئمة الزيديون شمال اليمن ما يزيد عن ألف عام. وباتت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة موازية لصراع يدور على الأرض. ويرشح من تدوينات النشطاء انتماء معظم المؤيدين للضربات الجوية التي ينفذها التحالف العربي ضد مواقع ميليشيا الحوثيين والرئيس السابق، إلى المذهب الشافعي. ولا يعني هذا عدم وجود مؤيدين للضربات بين أتباع المذهب الزيدي ومعارضين لها بين «الشوافع». وفي مختلف الحالات يبدو التعصب حاكماً السلوك والمواقف. ويستغرب أيمن سعيد أن يقيم الرافضون الضربات الجوية، حجتهم على مبدأ الحفاظ على السيادة. ويتساءل: «أين كان هؤلاء الجامعيون عندما نسف الحوثيون العقد الاجتماعي وطاردوا الرئيس هادي رمز السيادة إلى عدن بعد أن تمكن من الإفلات من الإقامة الجبرية التي فرضوها عليه في صنعاء؟». ويشير سعيد إلى أن «السيادة تعني حرية المواطن وكرامته لا فرض جماعة مذهبية أو سياسية سلطتها بقوة السلاح». والمفارقة أن تجد بين النّاس العاديين من يمتلك رؤية أكثر وضوحاً واستقامة من المتعلمين والأكاديميين. ويقول أحمد العوامي (40 عاماً) ويملك محل جزارة في صنعاء، أن الشرع وأعراف القبيلة يفرضان أن يتحد اليمنيون على مبدأ الحق ويتبرأون من مرتكب الجريمة بدلاً من أن يتناحروا في ما بينهم حفاظاً على زعامات نهبت الوطن وجرّت الويلات عليه. ويأتي حديث العوامي في وقت تلاشت «حكمة اليمنيين» وباتت النخب الثقافية والسياسية جزءاً من مشهد التشظي المجتمعي والاحتراب الأهلي. وبدلاً من أن تعمل النخب على تجذير قيم الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة راحت تنفخ في الانقسام وتؤيد الانقلاب وحل المؤسسات الدستورية. وغداة إعلان ميليشيا الحوثيين والرئيس السابق التعبئة العامة والحرب على عدن في آذار (مارس) الماضي بدعوى القبض على الرئيس عبد ربه منصور هادي و «تطهير» الجنوب ممن أسمتهم «الدواعش»، تنادى جامعيون في صنعاء إلى حمل السلاح، وشرع إعلاميون إلى ارتداء بزات عسكرية. وهو الأمر الذي قوبل برد فعل مماثل في مناطق المذهب الشافعي، حيث شارك جامعيون في عدن ولحج وتعز في حمل السلاح دفاعاً عن مدنهم ممّا أسموه «الميليشيا الطائفية». وبات واضحاً أن تخلف الجامعة اليمنية كان وما زال يشكل رافعة رئيسية في ديمومة التحيزات الجهوية والطائفية. ويقول باحثون أن أي تغيير سياسي لا يمكن أن ينهض وينجح ما لم تسبقه وتوازيه عملية إصلاح لنظام التعليم وتخليص الجامعات من الخرافات والتفكير اللاعقلاني. ووفق دراسة الهبوب لم يطرأ أي تغيير على الأهداف العامة للتعليم الجامعي منذ إقرارها في سبعينات القرن العشرين. ويلفت سعيد إلى أوجه شبه بين جماعة الحوثيين والجامعة من حيث «الملازم» وهي منشورات تضم تلخيصات يعدها أساتذة الجامعة في المواد التي يدرسونها. ويعمد بعض الطلاب إلى حفظ هذه الملخصات ليحصلوا على الدرجة النهائية، ما يكرس تعطيل التفكير، فيما تضم «ملازم» جماعة الحوثيين محاضرات لمؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي وشذرات من أقوال الإمام الخميني وتعاليمه، وتهدف إلى شحن عناصر الجماعة بأفكار جهادية وطائفية.