أكتب هذا الأسبوع من لندن، حيث يُبدي خبراء الشرق الأوسط اهتماما كبيرا بما يجري في اليمن. وقد فوجئ هؤلاء الخبراء بإعلان انتهاء عاصفة الحزم أمس الثلاثاء (21 أبريل)، وأبدى بعضهم القلق من أن يؤدي ذلك إلى عودة الحوثيين وحليفهم علي صالح إلى ممارسة سياسة العنف لمحاولة فرض رؤيتهم بالقوة وإقصاء المعارضين. وثمة تخوف كذلك من أن انتهاء العاصفة قد يتيح المجال لإيران باستئناف دعمها للحوثيين. وتُظهر تعليقات هؤلاء الخبراء أن ثمة التباسا حول ما يعنيه انتهاء عاصفة الحزم، وتخوفا من أنه يعني توقف الدور العسكري بشكل كامل، ولهذا من المفيد شرح موقف التحالف بصورة أكثر تفصيلا، في ضوء ما رشح من معلومات حتى الآن. فإذ يتضح من البيان الذي أصدرته دول التحالف يوم الثلاثاء أن العمل العسكري لم ينته، ولكنه الآن أصبح ضمن حزمة من المسارات تسعى إلى "إعادة الأمل" إلى اليمن وأهله. ويذكر البيان أن "عاصفة الحزم" قد بدأت استجابة لاستغاثة الرئيس عبدربه هادي، ويوضح أن انتهاءها تم بناء على طلبه كذلك. إذ انطلقت العاصفة في 26 مارس بناء على مطالبة الرئيس في 24 مارس لقادة دول مجلس التعاون والجامعة العربية والأمم المتحدة بالتدخل العسكري لصد اعتداءات ميليشيات الحوثي والقوات الموالية لـ(علي عبدالله صالح) على الشعب اليمني ومكتسباته وشرعيته وتهديدها لأمن وسلامة دول المنطقة. وبالمثل الآن فقد بعث الرئيس هادي برسالة في 20/4/2015م يشكر فيها المملكة العربية السعودية ودول التحالف على الاستجابة الفورية لمطالبته بالتدخل العسكري في اليمن لحماية الشعب اليمني، ويشير إلى ما حققته عاصفته الحزم من إنجازات، مثل حماية الشرعية في اليمن وردع الهجوم على بقية المناطق اليمنية، وإزالة التهديد على أمن السعودية والدول المجاورة، والقضاء على الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية التي استولت عليها الميليشيات الحوثية والقوات الموالية لعلي صالح من القواعد العسكرية للجيش وقامت باستخدامها أو هددت باستخدامها ضد الشعب اليمني. ويتفق بيان دول التحالف مع رسالة الرئيس هادي حول الإنجاز العسكري لعاصفة الحزم، إذ نجحت في تحييد معظم القدرات العسكرية التي استولت عليها الميليشيات الحوثية وكانت تشكل تهديدا لليمن وللدول المجاورة والمنطقة، إضافة إلى السيطرة على الأجواء والمياه الإقليمية لمنع وصول الأسلحة إلى الميليشيات الحوثية، والمحافظة على السلطة الشرعية وتأمينها وتهيئة البيئة المناسبة لممارسة مهامها ومساندة الموقف الإنساني داخل اليمن والمساعدة في إخلاء الرعايا الأجانب وتسهيل مهمة الكوادر الطبية التطوعية وتقديم الإغاثة العاجلة لمختلف المناطق خاصة تلك التي تشهد اشتباكات مسلحة. وأشار الرئيس هادي إلى العمل الذي تم في ظل العاصفة للتهيئة لاستئناف العملية السياسية وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، حيث عُقدت على مدى الشهر الماضي مشاورات واسعة بين الأطياف المختلفة في اليمن، تحضيرا لمؤتمر يُعيد العملية السياسية إلى مسارها الطبيعي قبل الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014. على المستوى الدولي، عملت الديبلوماسية اليمنية والخليجية في إطار مجلس الأمن الدولي لاستصدرا قرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 2216)، وضع إطار سياسي جديد لحل القضية اليمنية، وغطى جميع مفاصلها، بما في ذلك النواحي العسكرية والإنسانية والسياسية. وباعتبار قرار مجلس الأمن قد صدر تحت الفصل السابع فإنه قد أصبح واجب التنفيذ على جميع الدول ويمكن استخدام القوة لتنفيذه. ولترجمة هذه الانتصارات إلى واقع سياسي على الأرض، ولتنفيذ قرار مجلس الأمن (2216) بجميع فقراته، اقترح الرئيس هادي بدء عملية (إعادة الأمل)، واستجابت لدعوته دول التحالف مرة أخرى. ولا تعني عملية (إعادة الأمل) توقف الضغط العسكري على الحوثيين وحلفائهم، بل تضع هذه المرحلة العمل العسكري في إطار منظومة متكاملة تشمل المسارات التالية: أولا: في المجال السياسي تسعى (إعادة الأمل) إلى سرعة استئناف العملية السياسية وفق قرارات مجلس الأمن، والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل. ثانياً: في المجال الإنساني، تهدف العملية إلى تعزيز حماية المدنيين، وتيسّر إجلاء الرعايا الأجانب، بالإضافة إلى تكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني في المناطق المتضررة وإفساح المجال للجهود الدولية والإقليمية والوطنية لتقديم المساعدات الإنسانية. وكخطوة أولى تثير التقدير صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بتخصيص مبلغ 274 مليون دولار لأعمال الإغاثة الإنسانية في (اليمن) من خلال الأمم المتحدة، ويغطي هذا المبلغ كامل تكاليف خطة الأمم المتحدة العاجلة لتقديم المساعدات الإنسانية في اليمن، وهي خطوة غير مسبوقة بأن تتولى دولة واحدة تكاليف خطة إنسانية دولية تضعها الأمم المتحدة، إذ جرى العمل على تغطية تكاليف مثل هذه الخطط من الدول مجتمعةً، كل حسب إمكاناته الاقتصادية. وقد بدأت شحنات الإغاثة من دول المجلس في الوصول إلى اليمن قبل انتهاء عاصفة الحزم، وستستمر، إذ يجتمع مسؤولو الهلال الأحمر في دول المجلس بانتظام لتنسيق وزيادة تلك الجهود. ثالثاً: في المجال الأمني، تتضمن العملية تكثيفا لأعمال مكافحة الإرهاب، وهي بذلك استمرار لجهد بدأ منذ سنوات طويلة لمكافحة التنظيمات الإرهابية في اليمن ومنعها من استغلال الفراغ السياسي والأمني في أي منطقة. رابعاً: في المجال العسكري، تتضمن العملية التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للميليشيات الحوثية ومن تحالف معها، وعدم تمكينها من استخدام الأسلحة المنهوبة من المعسكرات أو المهربة من الخارج. كما تتضمن العملية تعزيز التعاون الدولي لمنع وصول الأسلحة جوا أو برا أو بحرا إلى الميليشيات الحوثية وحليفهم علي عبدالله صالح. وتسعى دول التحالف بذلك إلى تنفيذ حظر السلاح الذي تضمنه قرار مجلس الأمن الأخير (2216) لمنعهم من إعادة التسلح وتقويض العملية السياسية مرة أخرى. ويبقى البُعد الاقتصادي وإعادة الإعمار، واستئناف المساعدات التنموية لليمن، وتعزيز إمكانات استعادة الحياة الطبيعية للسكان ونشاطهم الاقتصادي. وهذا موضوع لمقال آخر.