ثقافة الإبداع مرتبطة بثقافة المجتمع فالمجتمع المنغلق على نفسه لن يساعد على تكوين ثقافة متجددة ومنفتحة. فالانغلاق الفكري لدى البعض على الرغم من أننا نعيش في عصر العولمة والانفتاح، أدى إلى الثقافة السائدة التي تدل على عدم تقبل الأفكار من الآخر وعدم احترام التعددية وسيادة الرأي الواحد. فأي مصدر يؤخذ منه ويرد ولا بد لنا أن نأخذ من الآخر كل ما يفيدنا ونترك ما لا يفيدنا أو يتعارض مع مبادئنا وقيمنا وديننا فلماذا الانهزامية؟ إن الثقافات تتلاقح والمجتمعات التي أبدعت من حولنا أخذت منا في الماضي وأضافت وطورت من نفسها، والآن جاء دورنا لنبني على أفكارهم ونتطور ونبدع ونتفوق فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها. ومن المهم أن تكون الثقافة منتجة وغير مستهلكة، أي منتجة للأدوات الإنسانية المختلفة التي تسهل الحياة مثل التقنيات بأنواعها، وهذا لا يأتي إلا بالفكر الإبداعي الذي يعتمد على الخيال أي التجاوز من المحدود إلى اللا محدود، وهذا يحتم تعليم التفكير الإبداعي لجميع الأفراد في المجتمع منذ المراحل الأولى في حياتهم. والطفل في هذه السن المبكرة يتعلم من خلال القصص الجميلة والخيالية، لأنه لا يستطيع أن يستوعب الأشياء والمعاني التجريدية والقيم إلا إذا ربطنا هذه القيم بقصص تصويرية مجسدة، حيث ترتبط الصورة والقصة مع الكلمة وتساعده على إثراء الخيال ومن ثم الإبداع. ولكن هل يتم من خلال المواقف التعليمية في مجتمعنا دعم التفكير الإبداعي؟ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. فكيف للمعلم الذي لا يؤمن بقيمة التفكير الإبداعي أن يعلمه؟ يفترض أن يكون هدف الموقف التعليمي تهيئة أرض خصبة للتفكير الإبداعي تفيد في تربية الجميع على دعم الإبداع. فإذا كان الموقف التعليمي يتضمن إستراتيجيات خاصة بتعليم التفكير، والتعلم بالاكتشاف والبعد عن التلقين، إلى غير ذلك من الأدوات الثقافية المستخدمة، فانه سينتج أفرادا يؤمنون بالإبداع والتفكير المنطقي السليم والآليات الصحيحة والمناسبة لإدارة الحوار، حتى وإن لم يكونوا هم أنفسهم مبدعين أي انه يتم بناء مجتمع داعم وناشر لثقافة الإبداع. لذلك فإن عدم التأسيس لثقافة إنسانية تنتج وتدعم وتشجع الإبداع قد يجعلنا ننظر إلى الأمور بسطحية، ولكن عندما يعمل المعلم بجد وصدق ويشعر بالمسؤولية تجاه طلابه فسيكون هو المكتشف الأول لإبداع الطلاب داخل حجرة الصف. وهذا ما وقفنا عليه فعلا حين اكتشف إبداع طالبة في المرحلة الابتدائية من خلال ورقة خبئت داخل طاولتها في الصف، عبرت فيها عن معاناتها من زميلاتها داخل الصف الدراسي بأجمل رسم تعبيري، وعبارة استوقفتني كثيراً كما استوقفت معلماتها ومديرة مدرستها، ورقة لا يسعني في هذه المساحة البسيطة إلا أن أترك لكم المجال ليسافر كل منكم مع معان كبيرة جداً عبرت عنها طفلة برسم وكلمة. المشرفة التربوية بقسم الجودة الشاملة