حرصت الولايات المتحدة الاميركية منذ اعلان الحل الخليجي لازمة (الربيع العربي) في اليمن عام 2011م على توسيع نفوذها وتحركاتها السياسية بهدف احتواء هذا البلد الذي اصبح بالنسبة لها حليفا استراتيجيا في مكافحة الارهاب ومحاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حيث تسيدت واشنطن من خلال سفيرها السابق جيرالد فاير ستاين ادارة الازمة اليمنية بل انها شاركت مع بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين ودول مجلس التعاون الخليجي التى اشرفت على مسار التسوية السياسية وانتقال السلطة الى نائب الرئيس انذاك عبدربه منصور هادي وأكثر من ذلك فقد تمكنت واشنطن من السيطرة على قدر كبير من تفاعلات المشهد اليمني بما سمح لها بالمشاركة في اتخاذ القرار ومن ذلك مسألة اعادة هيكلة الجيش التي اوفدت لها فريقا من الخبراء حرصا منها على أن تأتي مثل هذه الهيكلة متطابقة مع الاستراتيجية الامنية الاميركية في المنطقة. ومع ان هذا النفوذ الاميركي الواسع في اليمن كان موضع انتقاد الكثير من القوى السياسية التي كانت تؤخذ على السفير الاميركي على انه صار يعرف ما يجري في اليمن وفي أي نقطة منه قبل الرئيس او أي مسؤول يمني اخر إلا ان هذا الانتقاد سرعان ما كان يتراجع تحت الحاح ما كان يبدو في ظاهره رغبة اميركية لاحتواء اليمن والحيلولة دون سقوطه في مستنقع الفشل وتحوله الى صومال اخر أو سورية ثانية على اعتبار ان المنطقة لا تحتمل دولتين فاشلتين متجاورتين ناهيك عن ان هناك من كان يخطط لانزلاق اليمن في حرب اهلية يغوص فيها الى الركب كما ان هنالك من كان على قناعة ان ايادي خارجية باتت تعبث في اليمن وان الخلافات الداخلية وصلت الى مستوى يمكن له ان ينفجر باليمن وبالجسد الاقليمي بأكمله. وأمام كل ما يدور اليوم على الساحة اليمنية من احداث مثيرة للأسى وتفاصيل محبطة لواقع سياسي واجتماعي بائس تلفه الصراعات والتناحرات والحروب والانقسامات والتشظي المناطقي والحزبي والمذهبي فان السؤال المفتوح على كل الاتجاهات: ما الذي جرى؟ هل فشلت واشنطن فعلا في احتواء اليمن؟ وهل كان راسمو خططها بعيدين عن معطيات الواقع اليمني وحقيقة الاورام السرطانية التي تلم بهذا الواقع والتي احالت اليمن الى ازمة عربية ودولية؟ ام ان استراتيجية واشنطن في اليمن لم تكن تختلف عن استراتيجيتها المتبعة في العراق وسورية وأفغانستان وغيرها من المناطق والتي كانت في مجملها شاهدا حيا على فشل السياسة الاميركية وإخفاقها في تقديم انموذج مثالي يمكن لها ان تفاخر به؟ اذ لا يمكن لمثل تلك التطورات الجسام التي شهدها اليمن خلال السنوات الاربع الماضية ان تحدث بعيدا عن اعين الولايات المتحدة وبالذات وان اليمن كان محل اشادة في الاونة الاخيرة من قبل الرئيس اوباما الذي اعتبره واحدا من افضل النماذج في محاربة الارهاب. وتصبح مثل هذه التساؤلات في غاية الاهمية والجدية اذا ما اخذنا بعين الاعتبار الموقف الاميركي المتخبط تجاه الازمة اليمنية منذ اندلاعها وحتى اليوم ومن هنا يمكن القول انه ربما تكون واشنطن قد حسمت امرها حيال الملف اليمني بمجرد ان خلصت الى الاستنتاج من ان الحالة اليمنية فيها من التعقيدات ما يجعلها حاضنة للفوضى وغياب السلطة وبالتالي فقد تعاملت مع المتغيرات الجديدة التي عرفها اليمن بعد سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر الماضي على نحو مثير ومستغرب اذ لم يبرز من الادارة الاميركية موقف واضح ومحدد بل على العكس من ذلك فقد وجدنا الخطاب الرسمي الاميركي العام يقلل من اهمية علاقة الحوثيين بإيران ان لم يسع الى البحث عن ارضية مصالح مشتركة مع هذه الحركة وتطمين قياداتها من ان الولايات المتحدة لا تعتبرهم عدوا. تشي معطيات كثيرة ان سياسة واشنطن في اليمن كما في غيرها من دول المنطقة تفتقد للوضوح وبما يثبت عجز هذه الدولة العظمى عن فهم واستيعاب عالم ما وراء المحيط لذلك فهي من فشلت في احتواء اليمن لتتركه يواجه مصيره في انتظار سنوات من الفوضى والعنف بعد ان كانت لفترة هي من تحدد تفاصيل مجرياته السياسية وتخطط لمستقبل المنطقة من بوابة المشهد الذي سيستقر عليه.