متابعات(ضوء):حفل الزمان الجميل بإبداعات عمالقة الفن والغناء في عالمنا العربي الى جانب نجوم العالم الغربي فقدموا الكثير خلال مسيرتهم التي كانت في بعض الأحيان مليئة بالمطبات والعثرات. منهم من رحل عن هذه الدنيا مخلفاً وراءه فنّه فقط، وآخرون ما زالوا ينبضون عطاء الى يومنا الحالي. البعض من جيل اليوم نسي ابداعات هؤلاء العمالقة وتجاهلوا مسيرة حافلة من أعمال تركتها بصمة قوية، وفي المقابل يستذكر آخرون عطاءات نجوم الأمس من خلال الاستمتاع بأعمالهم الغنائية أو التمثيلية، وقراءة كل ما يخصّ حياتهم الفنية أو الشخصية. وفي زاوية «بروفايل» نبحر في بحار هؤلاء النجوم ونتوقف معهم ابتداء من بداياتهم الى آخر مرحلة وصلوا اليها، متدرجين في أهم ما قدّموه من أعمال مازالت راسخة في مسيرة الفن... وفي بروفايل اليوم نستذكر أهم محطات الفنانة سميرة توفيق: حين كانت تطل عبر الشاشات، تفرغ الشوارع من المارة والسيارات... حقيقة يشهد عليها الكثيرون ممن عاصروا فترة نجومية صاحبة «الخال» سميرة توفيق التي استطاعت أن تشكل حالة فنية خاصة لم تتكرر الى يومنا هذا، فكانت ومازالت واحدة من اشهر الايقونات الفنية التي قدمت الغناء البدوي، وتركت بصمة في الذاكرة الفنية بفضل مجموعة من أعمالها المميزة: نشأتها ولدت سميرة كريمونة في 25 من ديسمبر 1935، في قرية «أم حارتين» بمحافظة السويداء، وحصلت على لقب عائلة كريمونة بعد نزاع قضائي طويل، وعاشت في بيروت بمنطقة الجميزة التي كانت معروفة في الماضي بـ«الرميلة» في العام 1945. تربت في كنف عائلة سورية متواضعة أتت إلى لبنان من منطقة جبل العرب السورية، وكان والدها «غوسطين كريمونا» من أصل مالطي، وكان يعمل في ميناء بيروت ويلقب بـ «ريس المينا شيخ الشباب»، والدتها تدعى نعيمة كانت ربة منزل ومن أكثر المشجعين لموهبة ابنتها، وكان لـ سميرة خمسة أخوة وأخوات هم جانيت، نوال، شارل، جورج، ومانويل. بداية موهبتها بدأت تظهر موهبتها الغنائية حين كانت في السابعة من عمرها، وعندما بلغت الثالثة عشرة اخذت تحيي الحفلات الغنائية على مسارح بيروت الخاصة بالعائلات وفي مقدمها مسرح «عجرم»، ثم تنقلت في عدد من المناطق اللبنانية منها «عاليه» حيث وقفت على أحد أهم مسارحها في تلك الفترة وهو «مسرح طانيوس» لتغني للفنانة سعاد محمد وليلى مراد، وكان أول مبلغ تتقاضاه من عملها الفني هو مئة ليرة لبنانية. اسمها الفني التقت سميرة في بداياتها الفنية بالملحن اللبناني توفيق البيلوني، الذي شجعها على الغناء ورأى فيها موهبة واعدة، واستوحت من حديثها معه اسمها الفني الذي اشتهرت فيه فيما بعد وهو «سميرة توفيق» عندما قالت له: «انا سميرة والتوفيق من الله»، وهكذا ذاع صيتها واصبح اسمها على كل لسان، وعرفت بسمراء البادية، بعدما تربعت على عرش الغناء البدوي من دون منازع. صاحبة الاسطول كانت عائلة سميرة ترافقها في كل تنقلاتها، ولهذا حصلت على لقب المطربة «صاحبة الاسطول السادس»، وبعد انطلاقتها من بيروت أوائل الستينات تبنتها اذاعة الأردن الرسمية من خلال أغنية بعنوان «بين الدوالي»، فغنت عبر اثيرها مباشرة على الهواء للشاعر جميل العاصي، وبعدها تتابعت الأغاني وانتشرت أغانيها في لبنان والبلدان العربية، خصوصاً انها تميزت بلهجتها البدوية مما أعطاها لوناً خاصاً. انتشارها غنت في سورية والأردن وهناك قدمت الكثير من اغانيها في إذاعة دمشق وإذاعة عمّان فقدم لها المؤلفون والملحنون العديد من أغانيها ومنها ألحان وكلمات أغنية «حسنك يا زين» و«أسمر خفيف الروح» للفنان توفيق النمري فكانت بداية شهرتها وقدم لها عدد كبير من الشعراء والملحنين من لبنان وسورية والأردن مثل عفيف رضوان، عبد الجليل وهبي، محمد محسن، رفيق حبيقة، الياس الرحباني، ملحم بركات، ايلي شويري، وسام الأمير، وفيلمون وهبي الذي ربطتها بعائلته صداقة متينة، ومن أشهر اغانيها هي «عالعين مولييتين» وهي من الفلكلور العراقي. التمثيل خاضت غمار التمثيل فشاركت في عدد كبير من المسلسلات والأفلام في سورية ولبنان ومثلت أمام كبار الفنانين، ومن اعمالها «عروس من دمشق، بدويه في باريس، بدوية في روما، غزلان، لبنان في الليل، فاتنة الصحراء، القاهرون، الغجرية العاشقة، أيام في لندن، عتاب، حسناء الباديه، بنت الشيخ، فارس ونجود، عروس التحدي، عنتر فارس الصحراء، بنت عنتر....». قاعدة شعبية تمتعت سميرة توفيق بقاعدة شعبية واسعة وتعتبر استثنائية، فأحيت العديد من الحفلات في ارجاء العالم، وافتتحت «اوبرا هاوس» في مدينة ملبورن الأسترالية إلى جانب الفنان الراحل وديع الصافي. وهذا الحفل الذي اقيم في أوائل السبعينات وحضرته ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية. كما شاركت في انطلاق النادي اللبناني المكسيكي، فكانت المطربة العربية الوحيدة التي مثلت بلادها هناك بدعوة من الجالية اللبنانية فيها، وحازت المفاتيح البرونزية والذهبية لعدة بلدان بينها فنزويلا التي كرمها مجلس النواب فيها. 1500 رداء كان شفيق خوري هو الخياط الذي يهتم بأناقتها في بدايتها، ثم ما لبثت أن تعرفت على المصمم العالمي وليم خوري، فنشأت بينهما صداقة متينة، صمم لها خوري ما يقارب من 1500 فستان، غالبيتها من العباءات المطرزة التي كانت تنسجم مع لونها في الغناء البدوي، ولعل ابرزها ثوب على شكل فراشة ارتدته اثناء مشاركتها في احتفال اقيم في تلفزيون لبنان الرسمي، وتصدر تصميم ثوبها أفخم واجهات المحالات في باريس ولندن، ويقال بأنها ما زالت تحتفظ بمجموعة فساتينها التي ارتدتها في مناسبات عدة، والعدد ليس بالقليل كونها كانت ترتدي بين ثلاثة الى اربع اثواب في الحفلة الواحدة. ولهذا احتفظ المصمم وليم خوري ببعض من هذه التصاميم في منزله من كثرتها، ورغم عشقها للأزياء والاناقة الا انها كانت تظهر دائما بملابس محتشمة غير خادشة للحياء. الليرات المزيفة ومن التصاميم التي جعلتها تتألق بصورة لافتة، تلك التي ارتدتها في مهرجان السينما العالمي في بيروت، الذي حضره حشد من نجوم الفن من العالمين العربي والغربي، والثوب كان عبارة عن ثوب اسود طويل تزينه ليرات ذهبية ورافقها اكسسوار مشابه على تسريحة شعرها مما أثارت الضجة حولها، وهي تتقدم نجوم الاحتفال الذين اتوا الى فندق فينيسيا في وسط بيروت للمشاركة، وقبيل مغادرتها اتصل قائد الشرطة السياحية آنذاك عادل عبد الرحيم بالمصمم وليم خوري، عارضاً عليه حماية سميرة توفيق، خوفاً من ان يخطفها احدهم، ويسطوا على الليرات الذهبية المشكوكة على ثوبها فوافق خوري على العرض، وعندما وصل الى منزل المطربة في الحازمية قرب بيروت، ضحكا لأن الحيلة انطلت على قائد الشرطة نفسه، الذي عندما اتصل بهما للاطمئنان أخبراه بأن الليرات المؤلفة من 1800 قطعة معدنية، هي مزيفة وليست من الذهب الخالص، كما تراءى له، فهنأ خوري على تصميمه المبتكر. الخال اهتمت سميرة توفيق بمظهرها منذ بداية مشوارها الفني في الستينات وكانت يومها تتمتع بقد ممشوق وجمال وجه تميز بخال فوق شفتيها، فقلدتها النساء ورسمن على وجوههن الخال نفسه بقلم الكحل الاسود ومازالت هذه الموضه رائجة الى يومنا هذا. القفز من صخرة تعرضت لعدة مشكلات صحية ففي عام 1965 وأثناء ادائها دور البطولة في فيلم سينمائي بعنوان «بدوية في باريس»، عرض عليها يومها المخرج محمد سلمان ان تقوم ممثلة بديلة عنها بقفزة عن صخرة مرتفعة، فرفضت واصرت على أن تقوم بالقفزة بنفسها، فأصيب ظهرها بكسر اجبرها على التوقف عن العمل لفترة، خصوصا ان الأطباء اكتشفوا لاحقا بأن معدتها اصيبت من جراء سقوطها على الأرض، واضطرت للخضوع لجراحة لإعادتها إلى مكانها الطبيعي. ايام اللولو وجدت نفسها في موقف حرج وعلني عندما علمت ان الملحن ايلي شويري اعطى نفس الاغنية التي لحنها لها «ايام اللولو» للمطربة صباح في وقت واحد. الا انها استدركت الامر وأعلنت أن الأغنية ستنجح بصوتها وصوت صباح على السواء، لأن لكل منهما لونها المميز، وهكذا حصل بالفعل اذ حققت الأغنية شهرة واسعة لدى المطربين. حياتها العاطفية بقيت حياتها العاطفية دائما بعيدة عن الانظار الا في مرتين فقط، عندما ارتبطت بقصة حب مع مدير تلفزيون لبنان الرسمي في السبعينات عز الدين الصبح، وما لبث الخطيبان ان افترقا من دون اثارة أي ضجة حول الموضوع، وفي منتصف التسعينات تزوجت من رجل أعمال لبناني يعيش في السويد، وهو الزواج الوحيد الذي حصل في حياتها، وجاء التعارف بينهما اثناء احيائها لحفل غنائي، فقدم لها باقة من الزهور فكانت النظرة ثم الابتســــامة ثــــم اللقاء الذي انتهى بالزواج، وذكرت في احدى مقابلتها بانها كانت تمضي ساعات طويلة تتحدث معه عبر الهاتف، فعاشت معه قصة حب. زيادة وزنها ورغم زيادة وزنها لاحقا، بقيت صاحبة اطلالة مميزة ينتظر المعجبون مشاهدتها بشوق عبر الشاشة الصغيرة أو على خشبة المسرح، وعندما كان يعلن عن استضافتها في برنامج تلفزيوني مثلا كانت الشوارع في بيروت تفرغ من السيارات والمارة، اذ كان الناس يتسمرون امام التلفاز لمتابعتها. الامر نفسه كان يتكرر عند عرض مسلسلاتها التلفزيونية، وهي لا تتعدى اصابع اليد الواحدة. توقف فني لم تقدم سميرة أي جديد منذ سنوات، وسبب غيابها يعود لإصابتها بكسر في قدمها، اثر انزلاقها امام منزلها في لندن، وحاليا تعيش سميرة توفيق في منزلها في الحازمية وهناك البعض يقول بأنها تعيش في مدينة السويداء، وأحيانا تنتقل إلى بلدة فيطرون الكسروانية، حيث تملك شقة ضمن مجمع سكني فيها مع عائلتها. احاطت بها عائلتها وابناء اشقائها الذين من خلالهم مارست دور الأمومة فأحبتهم وعطفت عليهم وواكبت تفاصيل حياتهم من الفها الى يائها، اما الفاجعة الكبرى التي تلقتها في حياتها بعد وفاة اخيها البكر مانويل، فكانت رحيل زوجة اخيها رينيه كريمونة، اثر اصابتها بشظايا انفجار قنبلة مدفعية استهدفت منزل سميرة توفيق اثناء الحرب اللبنانية. وكانت يومها رينيه تسكن عنــــدها فأصيبت سميرة بكآبة وبحالة احباط كبيرة. واخذت منذ ذلك الوقت على عاتقها تربية اولاد رينيه وتعليمهم.