مع كثافة المهام والمسؤوليات المنوطة بالحكومات ومؤسسات المجتمع المدني تجاه شعوبها وقضايا العالم الإنسانية، أضحى تقديم الخدمات لمواجهة المشاكل والاضطرابات التي تتعرض لها أمراً ملحاً، فكان البحث عن شريك يساهم في هذه المواجهة ويرفع عن كاهلها بعض العبأ أحد الحلول، من خلال الأخذ ب"العمل التطوعي" للتصدي للمشاكل والمخاطر والكوارث. وعلى الرغم أن "العمل التطوعي" يُعد لوناً من ألوان المشاركة الإيجابية، سواء في تقديم الخدمة، أو توجيه ورسم السياسة التي تُبنى عليها المؤسسات الاجتماعية، أو في متابعة تنفيذ برامجها وتقويمها بما يعود على المجتمع بالنفع العام، إلاّ أنه ينبغي أن تكون هناك عوامل نجاح له، كالتخطيط الجيد، ووضوح الأهداف، وتوفر الإمكانات البشرية والمادية، وكذلك الأنظمة واللوائح، والتدريب والتأهيل، إضافةً إلى الإعفاء الضريبي -الرسوم-، إلى جانب وجود الهياكل التنظيمية، والحوافز التقديرية والتشجيعية. إن واقع "العمل التطوعي" يؤكد على أنه لازال يفتقد إلى الوعي، بل ويحتاج إلى تكثيف الجهود التوعوية للنهوض بخدمات اجتماعية في أمس الحاجة لشريك من خارج القطاع الحكومي، كذلك المؤسسات الخيرية بحاجة إلى أُناس تعتمد عليهم ويتمتعون بالمسؤولية والالتزام، لا أن يكونو عبئاً ودون فائدة!. تنمية الإحساس وقال اللواء مساعد اللحياني،متخصص في شؤون المتطوعين: إن أهمية العمل التطوعي تكمن في تنمية الإحساس لدى المتطوع ومن تقدم إليه الخدمة -المواطن- بالانتماء والولاء للمجتمع، وتقوية الترابط الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة، والذي اهتز بعوامل التغير الاجتماعي والحضاري، إضافةً إلى أن التطوع هو لون من ألوان المشاركة الإيجابية ليس في تقديم الخدمة فقط، ولكن في توجيه ورسم السياسة التي تُبنى عليها تلك المؤسسات الاجتماعية ومتابعة تنفيذ برامجها وتقويمها بما يعود على المجتمع ككل بالنفع العام، مضيفاً أنه كلّما كثر عدد المتطوعين كلّما دل ذلك على وعي المواطنين وحسن تجاوبهم مع هيئات ومنظمات المجتمع، مبيناً أن للعمل التطوعي عوامل نجاح تقف عليه وهي التخطيط الجيد، ووضوح الأهداف، وتوفر الإمكانات -البشرية، المادية-، وكذلك الأنظمة واللوائح، والتدريب والتأهيل، إضافةً إلى الإعفاء الضريبي -الرسوم-، إضافةً إلى وجود الهياكل التنظيمية، والحوافز التقديرية والتشجيعية، ذاكراً أن الجهل بأهمية العمل التطوعي وعدم وجود الرغبة للانخراط في الأعمال التطوعية، واستغلال العمل التطوعي لتحقيق أهداف غير مشروعة، واعتقاد بعض الأسر أن العمل التطوعي مضيعة للوقت هي من أكبر المعوقات الاجتماعية. وأشار إلى أن المعوقات الاقتصادية تنحصر في عدم توفر المبالغ نتيجة عدم بذل الأموال أو إرسالها إلى خارج البلاد، وكذلك دعم منظمات خيرية مشبوهة، وفرض الضرائب والرسوم الجمركية على معدات وأجهزة وآليات المنظمات والهيئات التطوعية، إضافةً إلى عدم توفر المباني والتجهيزات الإدارية. عمل مناسب واعتبر اللواء اللحياني قصور بعض الأئمة والدعاة في الحث على الانخراط في الأعمال التطوعية، وعدم استغلال الدوافع الدينية خاصةً لدى الشباب واستثمارها لصالح العمل التطوعي معوقات دينية، مضيفاً أن أهم تلك المعوقات هي المتعلقة بالجوانب الإدارية، ومنها عدم وضع المتطوع في العمل المناسب لقدراته وميوله واستعداداته، وعدم مشاركة المتطوع في بناء التنظيمات والهياكل الإدارية، وكذلك عدم تهيئة الأماكن المناسبة للعمل والإنتاج، وعدم وجود الإدارات الواعية المحققة للأهداف، إضافةً إلى عدم وضوح أهداف ونشاطات المنظمة، وعدم تحديد دور المتطوع في المنظمة، إلى جانب عدم إلحاق المتطوع بدورات تدريبية وتأهيلية، وضعف اللوائح والأنظمة الخاصة بالعمل التطوعي . ضرورة التوازن ومما يواجهه العمل التطوعي من معوقات وذلك بحسب دراسة ل د.حميد الشايجي مقدمة لمعهد "أسبار للدراسات والبحوث والإعلام" أشار فيها الباحث إلى العديد من العوامل ومنها المحاباة في إسناد الأعمال، وتعيين العاملين من الأقارب من غير ذوي الكفاءة، والشللية التي تعرقل سير العمل، مع تقييد العضوية أو الرغبة في عدم قبول عناصر جديدة، فتصبح المنظمة حكراً على عدد معين، كما تبرز بعض الإشكالات التي أشار إليها الباحث والمتمثلة في ما يشكله العمل التطوعي من تهديد للموظفين الرسميين (مدفوعي الأجر) في وظائفهم ومرتباتهم وساعات عملهم الإضافية وتأثيره على العلاقة بينهما، والإشكالات الأخرى في العلاقة بين المتطوعين والعملاء حيث تكون في أحسن صورها ونوعيتها لتخطيها عوامل "البيروقراطية"، ومن ذلك أيضاً تأثير التمويل الحكومي على استقلالية المؤسسة التطوعية وحياديتها، مع ضرورة التوازن بين القطاع التطوعي والقطاع الحكومي، وأن لا تتخلى الحكومة عن مسؤولياتها تجاه قطاعات المجتمع المختلفة واحتياجاتها، وعدم الاعتماد كليةً على القطاع التطوعي في أداء كل المهام وتقديم كافة الخدمات. خدمات اجتماعية ومن واقع العمل التطوعي في مجتمعنا لايزال المجال يفتقد إلى الوعي ويحتاج إلى تكثيف الجهود التوعوية للنهوض بخدمات اجتماعية في أمس الحاجة لشريك من خارج القطاع الحكومي، ومما لجأت إليه بعض القطاعات التعليمية العليا جعل انخراط الطلاب والطالبات في أعمال تطوعية في المجتمع جزء من متطلبات الجامعة، تحسب كتقييم جامعي، وتدرج ضمن النشاط والمشاركة الفاعلة يستفيد منها بعد تخرجه عند التقديم للوظيفة. وأكدت د.مي المعمر، وكيلة كلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك سعود على أن منطلقات الجامعات تُعد أكاديمية ترتبط بمواد من متطلبات الدراسة للطالبة، إلاّ أن العمل التطوعي يُعد شيئاً مهماً، حيث يُعد انطلاقة جيدة للطالبة في التعرف على هذا النوع من العمل، عبر الانخراط في خدمة المجتمع دون مقابل، مضيفةً أن الجامعة أنشأت سجل مهاري للطالبة يتضمن تقارير حول أنشطتها التطوعية داخل وخارج الجامعة تحت مفهوم خدمة مجتمع عامة، يحظى بتقدير من الجهات المعنية حينما تتقدم به الطالبة بعد التخرج طلباً للعمل، وتحرص عليه الطالبة، وهو ما يستحق التقدير والإشادة من الجميع، لخلق مزيد من الرغبة والحماس في نفوس الطالبات للإقبال على الأعمال التطوعية، مُشددةً على أننا بحاجة إلى زرع مفهوم العمل التطوعي لدى الناشئة من خلال أنشطة وفعاليات مدارس التعليم العام كالأيام المفتوحة وغيرها، مُشيدةً بتفاعل الشباب والشابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي سواء بالمشاركة أو المساهمة في نشر الوعي حول أنشطة وإسهامات وخدمات القطاعات الخيرية، وما تقدمه من جهود لفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها، مطالبةً الجهات المعنية بالعمل التطوعي باحتواء هؤلاء الشباب والشابات والاستفادة من طاقاتهم الفعالة. افتقاد التنظيم ومن واقع تجربتها في مجال مؤسسات خيرية، قالت ديمة الريس: إن العمل التطوعي في المجتمع يفتقد إلى التنظيم الممنهج للاستفادة من إمكانات الملتحقين به، حيث أن كثيراً من المتطوعين يهدفون إلى الحصول على شهادة تطوع لصالح جهات عملهم أو ملفهم الشخصي، وبينما تستفيد المؤسسات الخيرية فعلياً من جهوهم نفاجأ بانقطاعهم بعد فترة وجيزة، مما يؤثر على عمل المؤسسة، مضيفةً أن طلبة الجامعات مثلاً يفترض أن تكون الفترة الزمنية عام على الأقل وليست ساعات ينفذها الطالب ثم يذهب، مبينةً أن هناك إقبال هائل من الشباب والشابات، ف"جمعية الزهايمر" مثلاً سبق أن تقدم لها أكثر من (1000) طالب وطالبة، ساهموا بفعالية ومهارة في برامج الجمعية، متأسفةً على أننا نفتقد للاستمرارية بعد الانتهاء من دراستهم الجامعية، ذاكرةً أن كبار السن -مثلاً- من ذوي الخبرة وكثير منهم لديه الرغبة في العطاء بعد التقاعد وهو ما يجب أن تستفيد منه الجمعية السعودية للعمل التطوعي، مشيرةً إلى أن كثيراً من منسوبي الوزارات والقطاعات يرغبون في الانضمام للعضوية لنكتشف فيما بعد أن بعضهم يحتاجها لمصلحة شخصية ووظيفية دون أن يعود ذلك على الجهة الخيرية بأي فائدة سوى الرسوم الرمزية التي لا تقارن بحجم استفادتهم، في حين لا يوجد جدية في العمل، بل يصبحوا عبئاً على المؤسسة في بعض الأحيان، موضحةً أن المؤسسات الخيرية بحاجة إلى أُناس تعتمد عليهم ويتمتعون بالمسؤولية والالتزام، وهذا ما يفترض أن تفعله الجمعية السعودية للتطوع في تقنين أعمال المتطوعين وكذلك القطاعات.