تتجه الأنظار الى جلسة انتخاب رئيس جديد للبنان المقررة الاثنين في 31 الجاري بعد قرار زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري دعم ترشح رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون للرئاسة في مواجهة زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية الذي يصر على خوض المعركة حتى النهاية، فيما فريقه السياسي يواصل تحركه في اتجاه رؤساء الكتل النيابية والنواب المستقلين الذين ليسوا في وارد الاقتراع لمصلحة عون. لكن قرار الحريري دعم ترشح عون لم ينتهِ فصولاً، وهو باشر أمس، بعيداً من الإعلام، لقاءاته بعدد من نواب كتلته «المستقبل»، لا سيما الذين يعترضون على تأييد عون، في محاولة لإقناعهم بتعديل موقفهم شارحاً لهم الأسباب التي أملت عليه خياره هذا، مكرراً أمامهم ما قاله في خطابه أول من أمس، انه مخاطرة كبرى. وعلمت «الحياة» من مصادر نيابية أن ما يهم الحريري ترتيب بيته الداخلي والتركيز على النواب المعترضين على عون والذين سيصوتون بورقة بيضاء أو بتأييد فرنجية. ولفتت المصادر نفسها الى أن تحرك الحريري جاء في ضوء ما يجري تداوله، وتحديداً من قبل خصومه، من انه سيفاجأ بعدد النواب الذين لن يصوتوا لعون، ويقوم بجهد فوق العادة لإقناعهم بصوابية قراره على أمل أن يؤدي تشاوره معهم الى خفض عدد المعترضين من كتلته. وأكدت المصادر عينها أن الحريري سيقطع الطريق على المراهنين على عدد النواب الممانعين لانتخاب عون، وقالت إن «حزب الله» حليف عون بات محشوراً في الزاوية بين الأخير وبين حليفه الآخر رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي التقى عون من دون أن يلوح في الأفق إمكان تعديل موقفه الذي كان أعلنه في البرلمان، ومفاده أنه لن يصوت لعون لكنه لن يقاطع جلسة الانتخاب، وهو يحضر الآن الخطاب الذي سيلقيه لتهنئة من سيتربع على سدة الرئاسة. وسألت المصادر: ماذا سيقول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه غداً الأحد غير التزامه دعم ترشيح عون، وأين سيقف حيال التوتر المسيطر على علاقة الأخير بحليفه الآخر الرئيس بري على رغم ان مصادر الحزب تحاول التخفيف من هذا التوتر بذريعة أن لا خلاف بين رئيس البرلمان وعون وأن خلاف بري هو مع الحريري؟ وكشفت أن جهات فاعلة في «حزب الله» كاتن أبلغت بعض النواب، على هامش الجلسة التشريعية الأخيرة، أن الحزب سيأخذ وقته في درس موقفه بعد ان يحسم الحريري قراره. ونقلت عنها قولها إن الحزب وقف الى جانب عون حوالى سنتين ونصف السنة، وامتنع عن حضور جلسات الانتخاب تضامناً معه وربط حضوره بانتخابه. ومع أن هذه الجهات لم توضح ما قصدته من وراء كلامها، فإن عون ليس في وارد الموافقة على تأجيل الجلسة في 31 الجاري، لأنه يتخوف من أن يؤدي ذلك الى دخول عوامل سياسية طارئة قد تدفع الى خلط الأوراق مجدداً. ونقل نواب عن زملاء لهم في «تكتل التغيير» أن لا مجال لتأجيل الجلسة بعد ان حسم الحريري موقفه بدعم ترشح عون، وأن على «حزب الله» أن يفي بالتزامه بتأييده، لأن عون على ثقة بانتخابه على الأقل في دورة الانتخاب الثانية لأن هناك صعوبة في أن ينتخب في الدورة الأولى بأكثرية ثلثي أعضاء البرلمان أي 86 نائباً. وفي سياق ترتيب العلاقة بين عون وبري تردد أن الأخير رفض اقتراحاً بعقد جلسة حوارية موسعة تسبق موعد انتخاب الرئيس، لأنه ليس في وارد أن يحل ضيفاً على اتفاق قائم بين عون والحريري وهذا ما أعلنَاه خلال زيارة «الجنرال» «بيت الوسط» لشكر الحريري على دعمه ترشحه. وينقل نواب عن بري قوله انه يأخذ على الحريري عدم مفاتحته بما توصل اليه مع عون قبل أن يحــــسم قراره بتأييده، وبالتالي فهو يلوم حليفه أولاً وأخيراً لأن بري كان واضحاً منذ أشهر بأنه لن ينتخب عون. وتأخذ مصادر نيابية أخرى على الحريري عدم تواصله كما يجب مع بري لأن أي تفاهم يجب أن يبدأ معه لا أن ينتهي به وكأنما يطلب منه مباركة هذا التفاهم. وبالنسبة الى السجال الذي افتعله أول من أمس نائب رئيس المجلس النيابي السابق ايلي الفرزلي بقوله ان رئيس الجمهورية ينتخب في الدورة الأولى نصف عدد النواب زائداً واحداً أي 65 نائباً في حال تأمن النصاب لانعقاد الجلسة في حضور أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان متذرعاً بأنه سبق ان انعقدت جلسة الانتخاب الأولى منذ أكثر من سنتين ولم يفز فيها أي مرشح لأنه لم يحصل على تأييد أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، فإن مصادر نيابية اعتبرت أن موقفه «هفوة دستورية» شبيهة بالهفوة التي كان ارتكبها عام 1998 عندما انتخب العماد أميل لحود رئيساً للجمهورية و «أفتى» الفرزلي في حينها بأنه يحق للنواب ترك الخيار للرئيس في تجيير أصواته لرئيس الحكومة المكلف آنذاك الرئيس الراحل رفيق الحريري، ما اضطر الأخير الى الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة لأن هناك مخالفة دستورية للنص الذي يقول إن الاستشارات النيابية التي يجريها الرئيس ملزمة، توجب على النواب تسمية من يرشحونه لرئاسة الحكومة. ويبدو أن السجال الذي أطلقه الفرزلي قبل 10 أيام من انعقاد جلسة الانتخاب يواجه وقائع معاسكة كما تقول المصادر النيابية، لأن جلسة الانتخاب الأولى انتهت الى تلاوة محضر الجلسة والتصديق عليه وبالتالي لا بد من العودة الى المربع الأول الذي ينص على أن ينتخب الرئيس في الدورة الأولى للجلسة المقبلة بأكثرية ثلثي أصوات البرلمان، شرط تأمين النصاب. وإذا تعذر ينتخب في دورة ثانية بأكثرية نصف النواب زائداً واحداً، مقروناً بتوفير النصاب، أي أكثرية الثلثين. لذلك لن ينتخب عون رئيساً في دورة الانتخاب الأولى، هذا إذا لم تطرأ تطورات غير مرئية خلال الأيام الفاصلة عن انعقاد الجلسة تستدعي من بعض الكتل النيابية تأجيلها إفساحاً في المجال أمام مزيد من المشاورات. ويتوقع عدد من النواب أن لا يقفز تأييد عون في الدورة الأولى عن 75 نائباً إذا لم يكن أقل بقليل، في مقابل توقع وجود أكثر من 50 ورقة في صندوق الاقتراع موزعة على تأييد فرنجية ومرشح «اللقاء النيابي الديموقرااطي» النائب هنري حلو الذي سيرشحه «اللقاء» في اجتماعه اليوم برئاسة وليد جنبلاط على أن يترك للنواب الأعضاء حرية الاقتراع في الدورة الثانية. لكن مصير دورة الاقتراع الثانية قد يشهد مفاجآت في ظل الحديث عن إمكان تأجيلها في حال تقرر خلط الأوراق، ما قد يؤدي الى تعذر تأمين النصاب مع أن مثل هذا الرهان على تأجيل دورة الانتخاب الثانية أو تطيير النصاب ليس في محله لأن الكتل المناوئة لعون لا تتجرأ على تطييره لما سيترتب عليه من تداعيات سلبية لن تتحمل تبعاته في الشارع المسيحي وأمام الرأي العام المحلي والدولي.