مقارنة ظالمة رابعة الختام قد لا نعرف كمّ تحطيم الأعصاب والتدمير النفسي الذي نسببه لأبنائنا حين نعقد مقارنات دائمة بينهم وبين أقرانهم على كافة المستويات سواء تعلق الأمر بأصدقائهم في الحي أو بزملاء الدراسة أو برفاق الرياضة المفضلة وحتى الإخوة والأقارب، ثمة ألم تتركه كلماتنا العفوية في قلوب أبنائنا، وغصة في الحلق لا يغيرها شيء تظل تصاحبهم طوال العمر. فاجأتني ابنة صديقتي الطفلة التي لم تكمل عامها السادس بعد، برفض تأدية واجباتها المدرسية إضافة إلى تأخرها الدراسي والسلوكي وتراجع نموها اللغوي حتى أنها أصبحت تتلعثم في طريقة نطق الحروف والكلمات وتتعثر في كل عمل يسند إليها، حين ذهبت لزيارة صديقتي وجدت الطفلة ترفض كتابة واجباتها إلا وهي تجلس على “حجري” وأقوم بتدريسها، والعجيب أنها إستطاعت إنجاز واجباتها في وقت قياسي وذهبت للاستحمام وحدها للمرة الأولى، وما أثار حفيظة أمها أنها كانت تناديني لمساعدتها على تبديل ملابسها ولم تنم إلا على كتفي. لا أعلم سر الطفلة ولكن لا بد أن قصتها عجيبة وتثير الفضول بداخل أي إنسان، حاولت صديقتي تبرير تعلق طفلتها بي بشتى الوسائل، ولكن لأن حكايات البشر دائما تحمل في طياتها براءة تامة لمن يحكي واتهاما مسبقا للآخر فقد لعبت صديقتي دور الضحية ببراعة محاولة إلقاء اللوم على أهل زوجها بانتزاع حب وثقة الصغيرة، ولكن تبقى الحقيقة المؤلمة التي يراها الجميع دون الاعتراف بها. ما رأيته أن الصغيرة تتعرض لضغوط نفسية تفوق سنها الباكر، وقدرتها على التحمل، إذ يتم عقد مقارنات دائمة وظالمة، بينها وبين أقرانها ومن هم في مثل عمرها حتى وإن كان من تتم مقارنتها بهم مجرد أطفال عابرين لطريق المدرسة أو حتى طفلة قابلتها أمها صدفة بمحل الحلوى أو في الحافلة، أو هؤلاء النابغين في شتى المجالات الذين تتسابق وسائل الإعلام لمحاورتهم، إذ هم بارعون في حفظ وترتيل آيات القرآن الكريم، أو الفن والغناء. المهم أن الأم تلجأ إلى عقد مقارنة سريعة من أي نوع، مقارنات، مقارنات… حتى يرسخ لدى الطفلة أنها فاشلة بالفعل ولا تستطيع عمل أي شيء. تلك الطفلة كانت منذ ولادتها رائعة الجمال، شديدة الذكاء… ولكن الحالة المتراجعة التي وصلتها كانت نتاج تعامل سيء وفهم خاطئ لنفسية الصغيرة أو إدراك واع لمدى التمزق الذي تخلفه كلمات الأم والأهل بشكل عام، ذلك التعامل الذي بدلا من دفع الطفلة للتميز والنجاح، رسخ لديها معاني الفشل والتسليم به واستساغته. لم أفعل معها شيئا سوى أني رأيتها طفلة رائعة وأثنيت عليها، لم أقدم سحرا أو عملا مغايرا، فقط رددت عليها حين قالت لي لا أستطيع كتابة واجباتي “بلى تستطيعين” فكانت كلمة أقوى من السحر ذاته، أعادت ترميم ثقة البنت بنفسها وجعلتها تدرك أنها بالفعل تستطيع. المقارنة الدائمة بين أبنائنا والآخرين تفقدهم ثقتهم بأنفسهم، وقد يمارس أهل الطفل الذي نقارنه بأبنائنا الدور نفسه في المقارنة وتبدأ حلقات مفرغة لهدم أجيال بأكملها. تذكرت كلمات العالم المصري الراحل أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل للكيمياء وصاحب فكرة مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا “الأوروبيون ليسوا أذكى منا ولكن الفرق بيننا أنهم يدعمون الفاشل ويقفون وراءه حتى ينجح، أما نحن فنحارب الناجح حتى يفشل. كاتبة من مصر باهر/12