لقد واجهت الأمة العربية والإسلامية قديما مخاطر متعددة ولا زالت، فتارة تواجه من يسعى لإحداث الفتن والقلاقل فيها، وتارة تواجه فرض الاستعمار وتوطيد أركانه، وثالثة تواجه من ينهب ثرواتها ومصادرها، وأخطرها السعي لإعادة تشكيل خريطة الأمة في إتباع الدين الحق. ويعتبر المد الصفوي المتستر بالتشيع من أخطر تلك التحديات التي تواجه الأمة العربية الإسلامية، لا سيما بعد أن أصبح أمل الإمبراطورية الفارسية يداعب الصفوية الإيرانية، ذلك الأمل الذي سخروا لتحقيقه كل طاقاتهم وإمكاناتهم. إن هذا الخطر يتطلب ضرورة توحيد كافة الجهود والرؤى؛ لصد هذا المشروع الحاقد، الذي يستهدف الدين الحق والعقل الجمعي الوسطي العربي المسلم. إن مساعي المد الشيعي الإيراني لم تكن مجرد افتراءات، كما يزعم البعض، بل هي حقائق وواقع واضحة للقاصي والداني، وإن مارست إيران التقية في إخفائه. إن الحلم الإمبراطوري الفارسي موجود دائما في العقل الفارسي، قبل الإسلام وبعده، فالنزعة القومية الفارسية هي المسيطرة دائما، ولا حقيقة للهوية الإسلامية ورابطة الأمة والأخوة الإسلامية وإن رفعت كشعارات خاوية تقية ومكرا. لقد تكشف النقاب عن التوجهات الإيرانية الرامية إلى السيطرة على المنطقة، وإعادة إنتاج المشروع الإمبراطوري الفارسي الإيراني من جديد، فالتمييز الواضح في المعاملة الإيرانية للعراقيين السنة والشيعة، والمحاولات المستميتة لتشييع العراقيين والقضاء على السنة داخل بغداد تمهيدا لإقامة الإمبراطورية الفارسية من جديد واقع مشاهد. ولقد برز الدور الإيراني بوضوح لتحقيق ذلك الحلم باصطياد شيعة العراق كغنيمة كبرى، وبتأسيس حزب الله اللبناني كرأس حربة ويد لإيران في لبنان، وبدعم الحوثيين في اليمن كخنجر في ظهر اليمنيين وجنوب المملكة. والمتابع يتبين له المحاولات المستميتة لصنع الفتنة من شيعة البحرين وشيعة الكويت، وتوظيف شيعة المملكة بطريقة احترافية، والسعي بالتشيع في سوريا والأردن ومصر والسودان والجزائر والمغرب وغير ذلك من الدول الإسلامية. لقد نجحت إيران في تضليل الكثيرين عما تقوم به من محاولة السيطرة على المنطقة والدخول في الدول العربية والإسلامية، من خلال الشعارات الجوفاء، المرفوعة زاعمة نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية ومزايدة العرب على القضية الفلسطينية. إن العداء الإيراني المزعوم للصهاينة وأمريكا عداء وهمي، فالسياق يفصح عن تنسيق كامل بين طهران وتل أبيب وواشنطن. لقد قامت الثورة الخمينية على دماء أكثر من مليون قتيل، واستمرت في بث الكراهية نحو كل ما هو مخالف لها، وأعلنت إيران أنها ستقوم بتصدير ثورتها إلى الجوار ليصبحوا أتباعا لها، ونجحت إيران في تحقيق الكثير من أهدافها معتقدة أن حالة الفوضى التي تمر بها المنطقة هي أرض خصبة لتتميم مشروع نشر أفكارها، لكن التاريخ يخبرنا بأنه مهما طال الزمن فإن ثمة عواقب يجب أن يجنيها المتطرف والباغي المتجني، والخير للنظام الإيراني أن يتوجه إلى شعبه الذي يعاني الفقر وتنتشر بين جميع فئاته حالة التذمر؛ بسبب هيمنة الملالي على مقدرات البلد. إن الشعوب في إيران تواقة إلى حريتها وتنتظر الخلاص من هذا النظام الطائفي العرقي، الذي أنهكها طوال السنين الماضية، ولم تجن من كل حروبه الخارجية سوى الدمار والبؤس مقابل توسيع ثروة الخامنئي وبقية أفراد النظام الذين يتبادلون كرسي الحكم فيما بينهم، مدعين أن ما يقومون به هو نوع من أنواع الديمقراطية. إن ما يحدث اليوم في اليمن بغي ظاهر على شرعيته وسيادته، إن اليمن ليس بحاجة لمذهب قادم من إيران، وحضارته العظيمة الممتدة استوعبت التعددية المذهبية دون إقصاء، واليمنيون يجيدون التعامل مع المخالف ويحترمونه ويفهمون جيدا أن كل صاحب مذهب أو دين مؤمن بما لديه لا يحق لأحد أن يلغيه، فهم يتعايشون سلميا عارفين بأن الله -تعالى- هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون. الباحث والمستشار بمركز علوم القرآن والسنة