< كثيرة هي الوسائل التي تستخدمها الجماعات الدينية المسيسة لحشد الجماهير خلف برامجها، وتجنيد الكوادر البشرية لتحقيق رؤيتها الآيديولوجية التي ترتكز في الدرجة الأولى على إسقاط الأنظمة السياسية والتشكيك في شرعيتها، ويأتي على رأس تلك الوسائل «خدعة المصطلح»، بحيث تقوم الجماعة بخلق مصطلح من العدم المحض، أو تقوم باستغلال مصطلح متداول في المجتمع، وتقوم بتسْميمه وترسيخه في الذهنية الاجتماعية على أنه عنوان لمجموعة من القيم السيئة المُنفرة، فهي تضع قالباً تدنسه اجتماعياً لتقوم في خطوة تالية إلى إسقاط كل من يخالفها في ذلك القالب من أجل إسقاطهم اجتماعياً، أو قد يكون الهدف هو ردع أو تخويف من تخالجه نفسه الأمارة بالسوء بأن يعترض طريقهم، أو حتى يتلكأ عن الانضمام إلى ركابهم، بأن يكون ترساً في مكينتهم الحزبية النشطة. خير مثال يمكن أن يبسط فكرة المصطلحات المضللة، مصطلح «التطبيل» الذي أصبح شائعاً تتداوله الألسن من دون وعي، لأن غالبية من يرددونه وقعوا في فخ غسيل الدماغ، الذي مارسته تلك الجماعات الدينية من خلال تكرار المصطلح بشكل كثيف في سياق معنى محدد هي من وضعته وجعلته يقابل مصطلح «التطبيل»، فكل من يمتدح دولته أو أحد رموزها أو عملاً من أعمال الحكومة أو منجزاً وطنياً فهو «مُطبِل»، وبالتالي يتم تصنيفه بشكل آلي وفق ذلك القالب، وتُسقط عليه كل القيم السيئة والمُنفرة المتعلقة بمصطلح «مُطبِل»، التي تم ترسيخها في الذهنية الاجتماعية مسبقاً من الإسلامويين، وعلى مر الأيام يصبح مدح الوطن والاعتزاز به وبرجاله وإنجازاته وتاريخه عاراً ودنساً يجب التطهر منه، ومثلبة يُعيّر بها الإنسان، كما أن ذلك المصطلح يرهب أي شخص يريد أن يكتب رأياً فيه مدح لشيء جميل في وطنه، لأنه لا يريد أن يقع في حبائل ذلك المصطلح، بل يريد أن يكون مناضلاً في عيون الجماهير، ولا يليق بمناضل أن يكون مطبِّلاً لوطنه، هكذا وضع الإسلامويون تلك المعادلة ورسخوها، فإذا أردت أن تكون مناضلاً تصفق لك الجماهير فلا تمتدح أحداً، وتجاهل أي عمل إيجابي أو منجز يستحق الإشادة، وركز على ممارسة «الحلطمة» بشكل مستمر من دون كلل أو ملل، ومتى ما أحسست بأنك بحاجة إلى ممارسة «المدح» فاصرفه إلى زملائك في نقابة المناضلين أو زعماء دول يدعمون ويشجعون «النضال المنزلي»، فلا حرج أن تدبج لهم قصائد المديح وتصف بالتفصيل الممل كيف أن الزعامة أتت لهم منقادة تجر أذيال الخنوع والذل، أو أن تتحدث على الملاك الذي بعثه الله ليحرس خليفة هذا الزمان، فالقاعدة أن التطبيل لمن هم خارج دولتك، دائرٌ بين الوجوب والجواز، أما التطبيل لأهلك وعشيرتك فهو تطبيل يحرم قوله وسماعه والإشادة به، ومتى ما اقترفته فيجب أن تنزع النياشين من على صدرك، ومن أهمها لقب «المناضل»، فما كان لمناضل أن يكون مُطبلاً.