حين يتحدث عبدو محمد بلهجة أهالي الأحساء، لا يمكن أن يكون إلا واحداً منهم، ولا يستطيع من يتحدث معه، إلا أن يقر بأنه من أبناء إحدى قراها، والحكايات والقصص التي سمعها ويسردها لزبائن محله، وهو يأخذ قياسات الأثواب قبل أن يهم في خياطتها، تجعل منه ذاكرة مرجعية جيدة، إلا أن اليمني عبدو، لم يغلق نافذة الوصال عن مدينته الأم «صعدة». وتخالجه الذكريات ويعصف به الحنين وخصوصاً في الآونة الأخيرة، والأحداث التي تعيشها اليمن التي توالت متسارعة منذ الإطاحة برئاسة علي عبدالله صالح وصولاً إلى «عاصفة الحزم»، وكلما تكرر اسم مدينته صعدة، جال بخياله في سكك وأزقة تلك المدينة التاريخية. وقال عبدو: «كثيرون أصبحوا يسألون عن مدينة صعدة، عندما أصبحت محوراً رئيساً لنشرات الأخبار والصحف، إلا أن من عاش فيها وزارها لا يستطيع إلا أن يتعلق بها»، مضيفاً «هذه المدينة العريقة تاريخياً لم تكن وليدة الحاضر بل امتد ميلادها إلى قرون وقرون، ويكفيها أن تكون واحدة ممن حفرت على النقوش اليمنية القديمة، وسميت في العصر الجاهلي بـ«جماع»، وأخذت هذا الاسم من بناء ضخم بني فيها وكان عالي السقف وحين رآه أحد الملوك قال لقد صعدته فسميت بذلك من ذلك الوقت». وتذكر عبدو مدينته التي كانت «منبراً من منابر العلم والدين والثقافة والتجارة، وهي من ملامح هذه المدينة»، وقال: «بزيارة واحدة لها ستكتشف كيف أبدع المسلمون بنقوشهم الخاصة التي لا تزال المدينة محتفظة بها، فهي مليئة بالحصون والقلاع المبنية على الطراز العثماني القديم، ومنها ما هو أقدم من ذلك بقرون كحصن السنارة والقشلة والقلعة في رزاح، وحصن أم ليلى الذي لجأ إليه أبناء المدينة حماية من أبرهة الأشرم الحبشي، حين مر بفيلته لهدم الكعبة». ولا يزال عبدو يذكر «رائحة الفخار والطوب الذي اشتهرت صعدة بصناعته. ولا أخفي خوفي من أيدي العابثين بجمال هذه المدينة التاريخية التي تبقينا على اتصال دائم بالماضي. ودعائي أن يحفظها من التخريب لأنها مدينة تربطنا بها علاقة وجدانية خاصة». وتقع محافظة صعدة في الجزء الشمالي من اليمن، إذ يبعد مركزها الإداري عن العاصمة صنعاء بنحو 243 كيلومتراً. وشهدت صعدة الحديثة تطورات حضارية عبر مراحلها التاريخية، جعلتها واحدة من المدن التي تحتفظ بالعمارة الإسلامية العربية، وتخطيطها المعماري الهندسي خير مؤشر لذلك. وتضم أسواقاً وحمامات ومساجد ومدارس قديمة إلى جانب الأسوار والبوابات والحارات. ولم تتأثر جميع هذه الأماكن بالحياة الحديثة لتبقى متمسكة بالطابع الأصيل. وعلى رغم ألم الحرب وويلاتها، إلا أن «عاصفة الحزم» بحسب اليمني محمد عبدالرحمن مضني «جعلت العالم بصورة عامة والعرب بصورة خاصة تسأل وتلتفت لهذه المدينة العريقة، ومن المفاجئ أن الحرب قدمت دعاية كبيرة ومجانية لهذه المدينة السياحية التي نتمنى أن تستقر وتزدهر لتكون مقصداً للسياح من كل العالم». وقال مضني: «كثير من الزملاء في العمل يسألوني عن صعدة التي يتكرر اسمها في نشرات الأخبار وكأنها وليدة الحدث. لكن اليمنيين وبصورة خاصة يحفظون تاريخها ويعرفون مكانتها على خريطة اليمن السعيد»، مضيفاً: «بزيارة واحدة لها يستطيع السائح أن يتلمس عظم هذا المكان المزدحم بالتاريخ والحضارة». وأوضح أن الأهمية الكبرى لهذه المحافظة تكمن في أنها «صاحبة تاريخ صناعي مهم، وما تحويه من كنوز طبيعية من معادن وغيرها، واشتهرت على مر التاريخ بصناعات مختلفة كان من أهمها الأسمنت والزجاج، إضافة إلى شهرتها في مجال العلم والأخير واضح للجميع، إذ احتضنت المحافظة علماء ومثقفين من مختلف العلوم والمجالات».