صحيفة المرصد : غيرت عاصفة الحزم المعادلة في اليمن وفي المنطقة بأجمعها عسكرياً وسياسياً، كما وأنها رفعت أيضا المعنويات العربية التي تعرضت لصدمات وإهانات بسبب حالة الضعف والهزائم المذلة التي تلقتها منذ عقود. مشاعر الفخر واستعادة الكرامة لفت المكان في القمة العربية في شرم الشيخ التي بدت لأول مرة كقمة أفعال على الأرض وليست أقوال في الهواء. في ظل هذه الأجواء كان لا بد أن يحضر التاريخ، فقد وجد بعض المتابعين المهتمين بالتاريخ أوجه تشابه بين يوم خزاز، الذي اجتمعت فيه القبائل العربية وانتصرت في معركة تاريخية على أعدائها، مستعيدةً شيئا من كرامتها وبين عاصفة الحزم التي يتكرر فيها السيناريو تقريبا رغم مرور أكثر من 1500 سنة بين الحدثين وفقا لموقع "العربية نت". تذكر كتب التاريخ أن ملوك اليمن، مدعومين من الفرس، قاموا بفرض الضرائب المرهقة والمذلة على قبائل الجزيرة العربية الضعيفة والمشتتة والتي كانت تعيش في أضعف حالاتها. هذه القبائل طلبت مرات عديدة أن يتم إعفاؤها من دفع هذه الضرائب، ولكن الرد كان دائما قاسيا حيث كان يتم غزوها واستباحة أراضيها وأخذ هذه الضرائب وأكثر منها بالإكراه. واستمرت هذه الحال المهينة التي لم تستطع القبائل تغييرها بسبب افتقادها للقوة على الأرض التي تمكنها من هزيمة أعدائها. كل ما كانت تملكه هو الفصاحة والخطابة، ولكن الحروب لا تعترف إلا بقوة الجيوش. وجاء يوم خزاز التاريخي ليغير المعادلة بالكامل وليستعيد العرب المهزومون شيئا من كرامتهم المهدورة وليتذوقوا طعم الانتصار الذي لم يعرفوه سابقا. رفضت القبائل دفع الضرائب واجتمعت كلها تحت قيادة كليب بن وائل في مكان قريب من جبل خزاز الواقع بمنطقة القصيم في وسط السعودية، في يوم تاريخي من أيام العرب. تقول المصادر التاريخية إن كليب طلب من السفاح التغلبي أن يوقد نارا على رأس جبل خزاز حتى تهتدي بها القبائل الوافدة وتعرف الطريق إلى المكان الموعود. وأمر كليب قائد الجيوش العربية التغلبي إن غشيك العدو فأوقد نارين، كما قال. تجمعت القبائل مهتدية بالنار التي تلتهب من بعيد، ولم يطل الوقت حتى أوقد السفاح النارين على رأس جبل خزاز، فبدأت الحرب الدامية المصيرية التي قادها كليب وشاركت فيها القبائل العربية وانتهت بهزيمة الملك اليمني وانسحابه بعد أن تم الإجهاز على عدد كبير من جيشه. مثّل يوم خزاز نصرا تاريخيا للعرب استعادوا فيه سلطتهم المستقلة وهيبتهم واحترام الآخرين لهم. وقد قيلت أشعار كثيرة تصف هذا اليوم التاريخي. وقال السفاح التغلبي: وليلة بتّ أقود في خزاز ** هديت كتائباً متحيّرات ضللن من السّهاد وكنّ لولا ** سهاد القوم أحسب هاديات وقال الفرزدق يخاطب جريراً ويهجوه: لولا فوارس تغلب ابنة وائل ** دخل العدوّ عليك كلّ مكانٍ ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا ** نارين أشرفتا على النيران أوجه التشابه بين خزاز والحزم مسألة لا تخطئها العين بالرغم من التحول من القبائل للدول ومن السيوف إلى الصواريخ. فقد أظهرت حكومة طهران ومنذ عقود صلفا وغرورا وتمكنت من التمدد والتوسع في عدد من البلاد العربية الهشة وساهمت في زعزعة استقرار المنطقة بزرع الميلشيات الإرهابية الخارجة على القانون في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وساعدها في ذلك الضعف والتمزق العربي. حركة الهيمنة الإيرانية واجهها العرب بالخطب وقصائد الهجاء، تماما كما كان يفعل أسلافهم في الماضي. لكن عاصفة الحزم، التي أطلقها الملك سلمان من قصر العوجا في بلدة الدرعية شمال الرياض بقيادة السعودية وبمشاركة 10 دول عربية في حلف تصفه وكالات الأنباء العالمية بالأكثر اتساقا وتنظيما، شكلت يوم خزاز عام 2015، حينما سددت ضربات قاصمة إلى قوات الحوثي والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وأوقفت التمدد الإيراني في اليمن. يوم خزاز وعاصفة الحزم استبدلتا لغة الكلام بالفعل وأرجعتا الهيبة والسلطة والتأثير للدول العربية، وأعادتا للعرب شيئا من كرامتهم واحترامهم لأنفسهم.