من المضحكات التي يمكن أن تكون مادة ثرية للآخرين في التندّر علينا ووضعنا في إطار التسلية لقضاء الوقت واستهلاك الملل والسأم، أننا لا نزال نناقش في إعلامنا المكتوب والمرئي والمسموع وأدوات التواصل الاجتماعي ضرورة إيجاد دور للسينما، وصالات للمسرح، وأماكن للترفيه يشخص إليها الناس في إجازاتهم السنوية والأسبوعية وعطل الأعياد، يمارسون فيها أنشطتهم ويغسلون متاعبهم وتراكمات الصدأ الذي يعلو الروح والنفس بفعل الحياة الجادة، وتفاصيل الجدية في البحث والتحصيل الدراسي. في الوقت الذي لا يوجد بلد في العالم كله لم يوفر هذه الضروريات والاحتياجات لمواطنه منذ سنين طويلة، بحيث إنها أصبحت من الاحتياجات العادية في الحياة الاجتماعية، وأمر مردودها النفسي والاجتماعي والثقافي على المجتمع محسوم لا يحتاج إلى نقاش أو جدل. من المضحك جداً إلى حد السخرية أننا لا نزال نناقش جدوى المسرح، أو دور السينما في تنشئة الجيل وتهذيبه وتثقيفه وفتح قنوات تواصلية بينه وبين ثقافات الشعوب وفنونها ومنجزها الفكري والتنويري، ونحرضه على اكتساب المعرفة والاستفادة من تجارب ومفاهيم الآخرين الخلّاقة والمبدعة والمستشرفة لزمن يكون فيه الإنسان قيمة حقيقية من خلال تأثيره وإسهامه في صناعة مجتمعه، وصياغة عقول أفراده. لا نزال مدناً بليدة ليست فيها تلك المناشط التثقيفية والترويحية، ولا ذلك الحراك الفكري الذي ينسف مفاهيم جامدة، ويحرك الراكد من أنماط التفكير العاجز والجبان والخائف والمتردد في اقتحام منتج العصر وحداثته الفكرية والحياتية، ولا نزال نعيش هذا الفضاء البشري المكبّل بقوانين العيب، والمحاصر بموروث شعبي ساذج من العادات والتقاليد التي صُنّفت - للأسف - في خانة المقدس، وأعطيت حصانة جاهلة، وأُلبست هالة من الطهارة والفضيلة والمثالية في الوقت الذي نعرف أنها تراكم ثقافة شعبية متخلفة في كثير من الأحيان، ولا يمكن أن نعطيها قيمة اجتماعية أو فكرية أو حضارية تسجّل لوعي مجتمع الصحراء وأصالته. لنكن شجعاناً وشفافين ونعلن بعد إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني عدد السعوديين الذين غادروا مع عائلاتهم موانئ المملكة البرية والجوية إلى دول الخليج العربي أو تركيا أو القاهرة وأوروبا، لتصعقنا الأرقام، وتجعلنا أمام سؤال صعب وقاس ومؤلم، وحيرة في تفسير هذا الهروب الهائل إلى أمكنة ربما لا تختلف عن المملكة في مناخها الجغرافي وطقسها الاجتماعي كثيراً. والسؤال: ألا يجدر بنا أن نناقش هذا الهروب، ونعيد النظر والتفكير في بعض ما اُصْطلح عليه من مفاهيم العيب والتعدي على الثوابت والتقاليد الاجتماعية؟ لمراسلة الكاتب: RashedFAlRashed@alriyadh.net