حذر خبراء من إمكان أن يؤدي التباين في المواقف العالمية تجاه السياسة النقدية إلى «مزيد من الارتفاع في قيمة الدولار، ما قد يؤثر سلباً على المراكز الكبيرة للمتاجرة غير المحمية بالدولار في كثير من الأسواق الناشئة ويسبب نقصاً حاداً في السيولة النقدية بالدولار في أنحاء العالم، وسيقود ذلك بدوره إلى مزيد من تباطؤ النمو في الأسواق الناشئة، ومن ضعف انتعاش الاقتصاد العالمي». ولفت تقرير أصدرته مجموعة «بنك قطر الوطني» إلى أن قيمة الدولار ارتفعت في مقابل مجموعة من العملات الرئيسة الأخرى بنحو 17 في المئة خلال الشهور الـ12 الماضية، وعزا الدافع الرئيس لهذا الإرتفاع إلى التوقعات بأن «بنك الاحتياط الفيديرالي» الأميركي سيرفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل في وقت لاحق من السنة، حيث لا تزال معظم المصارف المركزية الأخرى في جميع أنحاء العالم تخفف سياساتها النقدية. وفي حين أشار التقرير إلى أن الدولار لا يزال العملة الرئيسة لإجراء المعاملات المالية والتجارية في العالم، لفت الى أن عندما ترتفع قيمته امام العملات الأخرى تظهر حاجة إلى موارد إضافية غير مقومة بالدولار لدفع قيمة الخدمات المالية والتجارية المقدمة بالدولار. وأضاف أن هذا الدور الأساس للدولار أصبح جلياً خلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009، عندما هرع العالم بأسره للبحث عن ملاذ آمن في سوق سندات الخزانة الأميركية، لكن لم تكن هناك سيولة كافية متاحة بالدولار، وأصبح سعر السيولة النقدية بالدولار باهظاً، ما جعل تسوية العديد من المعاملات المالية والتجارية بالدولار أمراً بالغ الصعوبة، واضطر «مجلس الإحتياط الفيديرالي» للتدخل في نهاية المطاف عبر فتح خطوط مبادلة ثنائية مع المصارف المركزية الرئيسة الأخرى في العالم لتوفير السيولة اللازمة لتلبية الطلب المتزايد على الدولار. وشدد على أزمة مماثلة ربما تتشكل في الوقت الراهن، وجاء في التقرير «وفقاً لبنك التسويات الدولية بلغت قيمة الإئتمان بالدولار للمقترضين غير المصرفيين خارج الولايات المتحدة 9.2 تريليون دولار في نهاية أيلول (سبتمبر) 2014، ويمثل ذلك زيادة في التعامل بالدولار خارج الولايات المتحدة بنسبة تزيد على 50 في المئة منذ نهاية عام 2009، ويأتي القدر الأكبر من تلك الزيادة من آسيا». وأكد أن هناك بوادر في أسواق المبادلة تشير إلى أن كلفة السيولة النقدية بالدولار آخذة في الارتفاع ويصعب تأمينها على نحو متزايد، وقد وصلت أسعار عقود المقايضة بالرنمينبي الصيني في الخارج لمدة 12 شهراً أعلى مستوى لها على الاطلاق في الأسابيع الأخيرة. وارتفع أخيرا لكن بدرجة أقل هامش المبادلة لمدة خمس سنوات، وهو في الأساس كلفة التحوط ضد تقلبات سعر الدولار لمدة خمس سنوات، في مقابل الجنيه الاسترليني واليورو والفرنك السويسري، على رغم أنها لا تزال أقل كثيراً من أعلى المستويات التي بلغتها خلال أزمة اليورو بين عامي 2011 و2012. ورجّح الخبراء أن تستمر هذه الاتجاهات في المستقبل إذا استمر الدولار في الارتفاع، وسترتفع بشكل متزايد تكلفة تصفية مراكز الدولار غير المحمية على الشركات في آسيا وفي الأسواق الناشئة، ما سيؤدي الى مزيد من التباطؤ في النمو الاقتصادي في تلك البلدان. كما أن الزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة القصيرة الأجل في الولايات المتحدة ستزيد من الحوافز القوية مسبقاً للاحتفاظ بالأصول المقومة الدولار، ما قد يؤدي إلى أزمة عالمية متمثلة في نقص السيولة بالدولار، وسيكون للظاهرتين وفق التقرير أثر سلبي على تعافي الاقتصاد العالمي المتعثر سلفاً ويمكن أن يؤديا إلى مزيد من التقلبات الكبيرة في الأسواق المالية في الشهور المقبلة.