إذا كانت قضيتك بسيطة ولا تحتاج إلى أكثر من 5 دقائق لإنجازها في بعض الجامعات، فهيئ نفسك إلى أنك ستنجزها في 3 أيام على الأقل، وعليك التأكد من أن الـ(4G) يعمل بشكل جيد لتشغل وقت فراغك الممتد من بداية الدوام إلى نهايته، حيث سيكون المسؤول الذي تقصده في اجتماع ووكيله في اجتماع، ووكيله الثاني في اجتماع، وكل الأعمال معطلة بسبب هذا الاجتماع، وسيُخيَّل إليك أن هذه الجامعة تعيش أزمة، تحتاج معها إلى أن تكون لجانها في حالة انعقاد مستمر! وما إن يقترب موعد صلاة الظهر حتى يتوافد بعض المسؤولين إلى مكاتبهم، مصطحبين معهم مراجعين من نوع خاص، يدخلون فيغلقون الأبواب خلفهم، ثم يخرجون طالبين من بقية المراجعين أن يتهيأوا لتأدية الصلاة، قبل أن يُكمِلوا الحديث مع معارفهم مؤكدين لهم ضرورة ألا يخرجوا إلا وبأيدهم ما يدل على أن معاملاتهم قد أُنجزت، بينما يبادلهم أولئك المراجعون نفس المشاعر حيث يقبِّلون رؤوسهم وأنوفهم، معتذرين لهم من عدم إجابة دعوتهم للغداء، وكم سيبدو هؤلاء المراجعون لطيفين في نظرك وهم يعتذرون، لأنهم بهذا الاعتذار قد زادوا من أملك في أن يعود المسؤول إلى مكتبه بعد الصلاة، وحين يودعهم بآخر سؤال عن مدينته المقدسة وجماعته الأخيار، ويخبرهم بأنه في شوق لزيارتها، سيُخيَّل إليك أنه مبعوث خاص من قِبل جماعته لينجز مصالحهم هناك! صحيح أن هذه المناظر ليست مستغربة لعين الناظر، وشائعة في أكثر من مكان، لكنها تحدث بطريقة أكثر أدباً وحياءً، وبشكل لا يخلو من الخجل والاعتذار، أما هنا فتحدث بشكل علني أمام الناس، وبطريقة تود معها أن تصفع الجامعة على خديها أن سمحت لمثل هؤلاء المسؤولين أن يتحكموا بمصائر الناس، ويُظهِروا (الفزعة) و(العنصرية) على أنها قيمٌ تسعى الجامعة إلى تعزيزها! يبدو أن تعامل المسؤولين في بعض الجامعات لا يختلف كثيراً عن تعامل النعمان، الذي كان له يوم سعد ويوم نحس، من قابله يوم سعده أغناه، ومن قابله يوم نحسه قتله، فإنجاز معاملتك منوط برضا المسؤول وسخطه أكثر مما هو منوط بمطابقته الأنظمة والتعليمات، وحين تكون حالته النفسية ليست على ما يرام فإن مدير مكتبه سيُحذرك من الحديث معه في هذا الوقت، وقد ينصحك بأن تأتيه في وقت آخر! فهو يعتقد أن من حق المسؤول طرد المراجع وإبعاده وحتى تقطيع معاملته، لأنه صاحب فضيلة قبل أن يكون عميداً أو وكيلاً أو عضو هيئة تدريس، وما يزيد من هيبته في نظر المراجعين هو أن الخطاب الذي يوجهه المسؤولون إلى بعضهم يكُتَبُ عليه (لصاحب الفضيلة الشيخ)، إضافة إلى (لقبه الرسمي)، ولست أدري فيما إذا كان هذا العمل صحيحاً من الناحية الرسمية أم لا، وهل يجوز أن يُشَار بهذه الأوصاف إلى موظف حكومي يُفترض أن تتم المخاطبات في جهة عمله بالطرق الرسمية من غير أن يكون للشكل الظاهري دخلٌ فيها، إذ لا أعتقد أن ذات الوصف سيُطلَق على شخص آخر بهيئة أخرى فيما لو كلّف بنفس العمل، ومن الملاحظ أنَّ ما يأتي عن طريق الإذعان والتذلل وتقبيل الرؤوس أكثر مما يأتي عن طريق الأحقية والنظام، فمن قدَّر الله عليه واحتاج إلى مراجعة بعض جامعاتنا فإني أنصحه بأن يتحلى بأقصى درجات الصبر والتحمل، وأن يكون مؤمناً بالقضاء والقدر، متسماً بالحكمة والصبر والتغافل، وأن يبحث عن كل شيء إلا النظام، وأن يؤمن بكل شيء إلا الحوار، كما أكرر نصحي له بألا يأتي في وقت مبكر من الدوام، لأن كل المكاتب التي سيقصدها ستكون بلا موظفين لوجود اجتماع، ولن يجد فيها سوى أخ إفريقي يعبث بالأجهزة المقابلة لمكتب المسؤول، فلا أنصحه بسؤاله عن شيء، لأن لا علاقة له بالمكتب، وحضوره في هذا المكان من باب (الميانة) لا أكثر، وربما أراد أن يستغل وقت فراغه في التدريب على برنامج ما، كما أُحذره من الدخول في جدل معه لأنه قد يحتاج إليه في إتمام المعاملة، كما أن الناس -نظرياً- سواسية في هذا المكان لا فرق بين سعودي وغير سعودي، وليست للوطنية وغيرها من شعارات (بدعية) قيمةٌ في هذا المكان، كما لو أن ولاءاتنا الكبرى لا تتم إلا بإلغاء ولاءاتنا الصغرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله!