حلت علينا السنة الميلادية الجديدة 2015، التي نسأل الله أن يجعلها سنة جلاء حزن، وذهاب هم، وخير على الأمة العربية والإسلامية، والعالم أجمع. وفى هذه المناسبة السنوية تكثر التنبؤات، بما قد يحدث في السنة الحالية. وتتزايد عمليات استقراء الواقع الراهن، واتجاهاته المستقبلية. إن القراءة الموضوعية للمقبل في المدى المنظور، في مجال السلوك الإنساني عامة والسياسي منه على وجه الخصوص، هي تلك التي تعتمد على فهم موضوعي عميق لـ«ما هو كائن»، وتستند إلى ذلك الفهم في التكهن بـ«ما سيكون»، خصوصا في قضايا كبرى معينة. وإن التزمت أصول الموضوعية والتجرد، فإنها ــ ولا شك ــ ترقى عن مستوى صحة تنبؤات المنجمين. ولكن حتى التنبؤ العلمي ــ المرتكز على منهجية علمية راسخة ــ في مجال السياسة المعقد، صعب جدا ولا تنتج عنه ــ في كثير من الأحيان ــ استنتاجات دقيقة.. ناهيك عن التكهن الصحفي العابر. وقد قيل: إن التنبؤ بأحوال الطقس المتقلب، في أي جهة من العالم، أهون من التنبؤ بتقلبات السياسة العالمية والإقليمية. لذا، فإن أي توقع في هذا الشأن يجب أن يؤخذ بحذر، ويعتبر مجرد تكهنات، قد تصيب وقد تخطئ. ومع كل هذه العوائق، يمكن لأي شخص راشد عاقل ــ أن يجرب التنبؤ في السياسة، وليكن ما يكون. فالسياسة هي أمر يمارسه «كل» الناس، فكرا وسلوكا وتحليلا. لقد شهدت الساحة السياسية العربية في العام 2014 م أحداثا جساما نتيجة استمرار حالها تقريبا على ما هو عليه منذ خمسة عقود، ونتيجة لتداعيات ما عرف بـ«الربيع العربي» الذي تفجر في العام 2011 م، وكان زلزالا مهولا جعل المنطقة تمر بتطورات سياسية هائلة، وغير مسبوقة تمثلت في ثورات، وثورات مضادة دامية وعشوائية. ومن المتوقع أن ينشغل العالم العربي، والعالم معه، بما تبقى من أحداث وتطورات هذا «الربيع» الذي أمسى خريفا، ويتلازم الاهتمام به وبما تبقى من تداعياته مع الاهتمامات العربية الكبرى الأخرى. والعام 2015 م سيكون ــ في الغالب ــ هو عام ذبول ذلك الربيع، وعودة أغلب بلاد العرب إلى ما كانت عليه قبله، مؤقتا لأن بذور الاضطراب وعدم الاستقرار ما زالت قوية وقابلة جدا للنمو. بل هي، بعد هذا «الربيع»، أقوى من ذي قبل. فمن أهم ما تمخض عنه هذا الربيع هو الرفض الشعبي العربي التام لديمومة نوعية الأنظمة التي كانت سائدة قبل ذلك الربيع. وإن كانت الفوضى الحالية لا تبرر الاشتراط، في غياب الأمن وعدم الاستقرار والتشرذم. والدرس الذي يجب على العرب أن يعوه هو: ضرورة اتقاء «شرور الربيع» بالتنمية السياسية الإيجابية. ولذا يمكن أن نقول بأن هذه السنة، وربما التي تليها، هي سنة استمرار معاناة العرب من أسباب معاناتهم المزمنة المعروفة. عدم استقرار حقيقي، غياب ملحوظ للأمن والأمان، إقصاء طائفي ومذهبي. أما على الساحة العالمية، فستظل القضايا الكبرى كما هي ــ بصفة عامة ــ مع تزايد الاهتمام الغربي والعالمي بالأمور الاقتصادية والمالية خشية التدهور المعيشي. وبعض القضايا الأخرى ستظل معلقة. إن عالمنا الثالث المسكين، والذي ينتمي إليه العالمان العربي والإسلامي، يتطور أغلبه، بصفة عامة، ولكن من سيئ لأسوا، في أكثر الحالات والمجالات فيزداد بؤسه وتعاسته. ويمكن رد ما فيه معظم الجنوب من علل وبؤس (بصفة عامة) إلى سوء سياسته، كمسبب أول. فهل سيبدأ النائمون (أو النامون) بكسر طوق ذلك النحس، وتعديل السياسات الخاطئة، اعتبارا من هذا العام.. لا أظن. وتلك هي أبرز تنبؤاتي. فالغرب المتسلط، والقوى المتحالفة معه ما زالت في موقع أقوى. ويلاحظ وضع «السياسة» أولا. والبعض يقول: بأن التعليم (مثلا) هو أهم عامل، وليس «السياسة» ــ كما أزعم. فإن تغير التعليم وتطور تتغير الحياة، وتتحسن. هذا صحيح، إذا تجاهلنا «العوامل» الأخرى. فمع الأهمية الحاسمة للتعليم وقبله الصحة ــ إلا أن السياسة يمكن أن توفر تعليما جيدا، ويمكن أن تفعل العكس، أو حتى تكرس الجهل. من هنا تأتى أهمية السياسة لتصبح الأهم أو أهم «عامل» في تطور الحياة العامة للبشر. ولهذا، تصبح الأحداث والأوضاع السياسية في المقدمة.. لما لها من تبعات، وانعكاسات (إيجابية وسلبية) على كل مناحي الحياة الأخرى. ولهذا الحديث صلة.