بعد ساعات بتوقيت الغرب الأميركي، ينتهي «الترقّب» الذي ظلّ متواصلاً منذ أشهر، بل حتى منذ بدايات العام الماضي، حين اختُتمت «الدورة» السابقة لإعلان جوائز الأكاديمية الأميركية المعروفة عادة باسم «الأوسكار». بين الأوسكار والأوسكار، ترقّب يتواصل عاماً بأكمله. فهذه الجوائز التي يمنحها أهل المهنة الأميركيون لما يعتبرونه أفضل أفلام العام، صارت مع الوقت أهم حدث سينمائي في العالم، بل ربما تفوق في شعبيتها والاهتمام الإعلامي بها جوائز نوبل وتوازي كأس العالم. ومع هذا، حدث منذ سنوات أن الترقّب والتكهّن ما عادا على الحدّة التي كانا عليها في الماضي. إذ نادراً ما صارت هناك مفاجآت صاخبة تسم إعلان النتائج، ونادراً ما أسفر الأمر عن سجالات واحتجاجات. صحيح أن الأمر لا يخلو من دهشة «سلبية» حين تُعطى الأوسكار الأساسية الى فيلم مثل «آرغو» لا يبرّر وجوده في الترشيحات سوى بعده السياسي، الذي يخدم الإيديولوجية الأميركية السلطوية. ولكن مثل هذا الأمر بات نادراً ويجد مبرراته. أما السائد فهو أن الاختيارات في التصفية النهائية، قبل إعلان النتائج، تأتي لصالح أعمال فنية كانت برزت خلال العام، وأثبتت تفوقاً فنياً يتضافر مع إقبال جماهيري. وتلك هي الحال هذا العام، حيث بقيت في التصفيات النهائية ثمانية أفلام لجائزة أفضل فيلم، وخمسة من كل نوع لبقية الجوائز. والحال أنه استناداً الى عدد من التظاهرات «الجوائزية» السابقة مباشرة على إعلان «الأوسكار»، يمكن التكهّن منذ الآن بمن سيفوز مع احتمالات خطأ ضئيلة. وعادةً ما يكون الفائز الرئيس هو نفسه الذي فاز، مثلاً، في جوائز الـ«غولدن غلوب». فإن كانت الحال كذلك، سيمكن للبعض أن يراهن على ذهاب الجائزة الى فيلم «طفولة» لريتشارد لنكليتر، أو الى «بيردمان» للمكسيكي إينياريتو... وهما على أية حال الفيلمان الأكثر بروزاً بين الترجيحات الثمانية. أما الستة الباقية، فهي «قناص أميركي» لكلينت إيستوود، «غراند بودابست هوتيل» لفيس آندرسون، «لعبة التقليد» و«سلما» و«نظرية كل شيء» وأخيراً «ويبلاش». الى جانب هذه الفئة الرئيسة، والتي تشي الاختيارات فيها بتقدّم كبير على صعيد الذائقة السينمائية لأهل السينما الأميركيين، الذين يختار الألوف منهم المرشّحين والفائزين سنوياً، في اتجاه تجريبية ما، أو نوع معين من سينما المؤلف، يمكن للمرء ملاحظة بعض الغرابة في فئة أفضل ممثل وممثلة. ففي فئة أفضل ممثل، يلاحَظ هذا العام أن الأسماء المرشّحة للفوز تكاد تكون ثانوية الأهمية، أو مجهولة، أو «عفا الدهر عليها»، كستيف كاريل (فوكسكاتشر) ومايكل كيتون( بيردمان). فما هو وزن برادلي كوبر (في فيلم إيستوود)، أو إيدي ريدماين، أو بندكت كومبرباتش مقارنة، مثلاً، مع روبرت دوفال، أو إيثان هاوكي، أو إدوارد نورتون، أو حتى مارك رافالو أو جي. كي. سيمونز؟ نطرح السؤال لأن هؤلاء الأخيرين مرشّحون لأوسكار أفضل ممثل... ثانوي! الأمر نفسه بالنسبة الى الممثلات، الى حد ما، ففي فئة الممثلة الرئيسة قد نحبّذ وجود الفرنسية ماريون كوتيّار في «يومان وليلة» وجوليان مور، لكننا نجد أيضا فيليسيتي جونز وروزاموند بايك وريس ويذرسبون التي أثار أوسكارها السابق احتجاجات نادرة. أما في خانة أفضل ممثلة ثانوية، فلدينا هذه الأسماء الكبيرة والمخضرمة للمقارنة: باتريسيا آركيت، لورا ديرن، كيرا نايتلي، إيما ستون، و... ميريل ستريب التي اعتادتها الأوسكارات الى درجة أوقفت معها العدّ. طبعاً، لن نتوغّل في هذه العجالة في كل التفاصيل، لكننا نتوقف عند ترشيحات أفضل مخرج لنذكر أنها تشمل أربعة من الذين رُشّحت أفلامهم لأفضل فيلم، إضافة الى بينيت ميلر صاحب «فوكسكاتشر»، الذي رُشّح لعدد لا بأس به من الجوائز من دون أن يكون على اللائحة الأولى، مثله في هذا مثل الإنكليزي «مستر تورنر» الذي قد يخرج بجوائز عدة لكنها كلّها... ثانوية. أما في مجال أقرب إلينا، فإننا نحب الاعتقاد أن جائزة أفضل فيلم أجنبي ستذهب الى الموريتاني عبد الرحمن سيساكو عن «تمبوكتو»، لكن «مشكلته» أنه ينافس ما لا يقل عن ثلاثة أفلام كبيرة أثبتت حضورها في مهرجانات العالم خلال العام المنصرم: الروسي «لفياتان» ، المرجح، والبولندي «إيدا»، والأرجنتيني «حكايات وحشية» الأكثر ضراوة وقوة وطرافة. بعد ساعات، إذاً، تُحسم التوقعات، أما هنا ففقط كي نخوض اللعبة يمكننا أن نتكهن، من دون أية تأكيدات، بأن الجوائز ستذهب تباعاً الى «طفولة»، ومايكل كيتون، وإدوارد نورتون وجوليان مور وميريل ستريب وفيس آندرسون و«ليفياتان» و... اعذرونا إن لم تأت الأمور كذلك، فهي في نهاية الأمر لعبة يُغرى المرء بخوضها!