مفهوم "الترهل الإداري" تم تعريفه بصيغ مختلفة ومتعددة من قبل الباحثين والكتاب من ذوي الاختصاص في مجال علم الإدارة، فمنهم من يرى بأنه مصطلح يعبر عن وجود مجموعة من الموظفين الذين يحصلون على أجور أو رواتب دون مقابل أي دون أن يؤدون عملا أو يبذلون جهداً تطلبه الوظيفة، وهي نسبة من الموظفين إذا تم سحبهم من العمل لا يترتب على خروجهم أي نقص يؤثر في الأداء أو الإنتاج بالجهة التي يعملون بها. وبناءً على المفهوم السابق، فإن "الترهل الإداري" يأتي بسبب تكدس الموظفين في الجهات الحكومية بما يفوق احتياجات تلك الجهات، وذلك نتيجة التزام الدولة بتعيين الخريجين من الجامعات والكليات، دون أن يكون هناك احتياج حقيقي للعمل الحكومي، لذا يطلق على هذا المفهوم عبارة "البطالة المقنعة"، فنجد في الإدارة الواحدة عدداً كبيراً من الموظفين يفوق حاجتها من الموارد البشرية، فيتم اختلاق الأقسام والتفريعات غير اللازمة لتوزع على الموظفين، ولهذا يرى بعض الموظفين في القطاع العام أن الوظيفة هي حق مكتسب لا بد من نيله بطريقة أو بأخرى. أما البعض الآخر من الباحثين، فيرون أن "الترهل الإداري" هو جمود الجهات الحكومية وضعف أدائها وقلة إنتاجيتها، بالرغم من الدعم المالي الكبير لميزانياتها بسبب ضعف القيادات الإدارية، وغياب التغيير والتطوير، بالإضافة إلى عدم وجود موارد بشرية مؤهلة، وعدم تحديث الهياكل التنظيمية القديمة وعدم وضوح الصلاحيات والمسؤوليات الإدارية. وهناك من يرى بأن الترهل مسمى حالة مرضية تصيب النظم الإدارية من خلال الاستغلال والتلاعب، ومن ذلك على سبيل المثال سوء استخدام المنصب لغايات ومآرب ضيقة وشخصية مثل الابتزاز، واستغلال النفوذ، والمحسوبية، والاحتيال والاختلاس. وبناءً على ما تقدم، فإن النمط السائد للترهل الإداري في بعض الجهات الحكومية هو خليط من الآراء السابقة، مع ترجيح الرأي الأخير، فهذا المظهر عادة يبرز نتيجةً للرغبة في إشباع النفوس لتوسيع النطاق الوظيفي، أملاً في الترقية إلى مستويات وظيفية عليا، بالإضافة إلى كثرة التعديلات في الهياكل التنظيمية للجهة الحكومية في فترات زمنية متقاربة، فتولد الإدارة إدارات والقسم أقساماً. فالتضخم الإداري الموجود في بعض الجهات الحكومية، وإن كان لأسباب قد تتعلق بسوء التخطيط وعدم الدقة في إعداد الموازنات والاحتياجات من القوى العاملة، إلا أنه يكون في بعض الأحيان متعمدا لتحقيق أهداف شخصية معينة. فقد يتم خلق إدارات وأقسام جديدة، بهدف مكافأة موظف من أصحاب النفوذ أو بهدف تحقيق مكاسب ربحية عن طريق هذه الإدارات في الهيكل التنظيمي المعدل للجهة، وذلك تحت غطاء مواكبة التغيرات والتطورات الحديثة لنشاط الجهة الحكومية. والأخطر من ذلك، أن يتم تعديل الهيكل التنظيمي دون الرجوع وأخذ موافقة اللجنة العليا للإصلاح الإداري حسب الأنظمة والتعليمات الخاصة بهذا الشأن، وهنا قد يقول قائل بأن "الجهات الحكومية أدرى بشؤونها، وبالتالي هي أدرى بتصميم هياكلها التنظيمية، ووجود جهة خارجية تعرقل تلك الجهات في سعيها نحو التطوير"! ولكن كما هو معلوم فإن تصميم الهيكل التنظيمي يكون بمعرفة الجهة نفسها، ويكون دور اللجنة هنا إشرافيا في المقام الأول مع إمكانية تعديله إن تطلب الأمر ذلك، ناهيك عن أن بعض الجهات الحكومية ليست لديها الخبرة الكافية في عملية التصميم أو التعديل. بالإضافة إلى ما سبق، وعلى العكس، فقد يتم تعطيل تطبيق هيكل تنظيمي معتمد لأنه غير مناسب لمصالح الرئيس الإداري، فعلى سبيل المثال، قد يتم تعيين أحد المديرين على إدارة فنية وفي الوقت نفسه يتم تكليفه مشرفاً عاماً على الشؤون المالية والإدارية حتى يحقق رغبات الرئيس، فهذا التكليف يعطل الهدف الرئيسي للشؤون المالية في عملية الإشراف على طلبات الصرف والاحتياجات الواردة من الإدارات الفنية، بالإضافة إلى أن ذلك فيه إخلال بمبادئ الفصل بين الوظائف المتعارضة، حيث يقوم الموظف بإنشاء وتقديم طلبات إدارته لكونه مديرا لها، وفي الوقت نفسه يقوم بتدقيقها والرقابة عليها لكونه مشرفاً على الشؤون المالية. ومن الممارسات الأخرى أيضا في هذا المجال، العمل على خلق وظائف جديدة في مستويات الإدارة العليا (وكلاء، مساعدين، مديري عموم... إلخ)، بالإضافة إلى وجود الواسطة في عملية التوظيف في الإدارة الوسطى والإدارة التنفيذية، الأمر الذي يؤدي إلى التضخم الوظيفي في الجهة الحكومية. يتسبب وضع إداري كهذا في انخفاض دافعية الموظفين ومعنوياتهم، وانحدار أداء الجهة الحكومية، وإهمال الإدارة لموظفيها تدريباً وتأهيلاً، لكثرتهم أو لعدم الاقتناع بحاجتها إليهم، بالإضافة إلى تولي غير الأكفاء للمناصب الوظيفية، ومحاولتهم للاستفادة الشخصية من مزايا واختصاصات المنصب، وبالتالي تغلغل بعض العناصر المتمرسة في الفساد الإداري، ووصولها إلى المستويات العليا في اتخاذ القرار، فيكثر الفساد وتتفشى الرشوة والظلم. لا يمكننا أن نخرج من أزمة الترهل الإداري وما يشوبه من أخطاء وما يخالطه من بطء في الخدمات إلا عن طريق إصلاحات جدية تقوم على دراسة الوضع وتقييمه والوقوف على أسبابه وطرق علاجه، وهنا يمكن تبني استراتيجية من مسارين: الأول وقائي من خلال نظام الخدمة المدنية بحيث يتم بموجبه إلغاء صلاحية بعض الجهات الحكومية في تعيين الموظفين وحصرها في وزارة الخدمة المدنية بسبب عدم وجود ضمانات رقابية كافية على عمليات التوظيف الذاتي حتى الآن. يجب العمل على حصر الجهات الحكومية التي قامت بتعديل هياكلها التنظيمية دون الرجوع إلى جهات الاختصاص لاعتمادها، مع فرض العقوبات اللازمة لمخالفتها الأنظمة والتعليمات، وإلزام كل جهة حكومية بوضع معايير مناسبة لتقدير احتياجاتها الفعلية من الموارد البشرية وتوزيعها بشكل مناسب على الإدارات والأقسام والتوازن بين الوظائف الرئاسية والإشرافية والتنفيذية، والنظر في وظيفة "المشرف العام" التي بدأت الجهات الحكومية بالتوسع فيها دون سبب منطقي.