«لم نعتد مواجهة القوات التابعة للنظام ولحزب الله ليلاً، كان الليل لنا، وهم يفضلون العمل نهاراً» يقول أبو أسامة الجولاني نائب قائد الجيش الأول في الجيش الحر، ويضيف: «نعم، في اليوم الأول تلقت قواتنا الصدمة، كانت قوات العدو تتقدم ليلاً، تستطلع، ثم تزيل الألغام، ويبدأ القصف التمهيدي على مواقع في الميمنة والميسرة، وتقتحم القوات الليلية من دون غطاء ناري في الوسط، خسرنا عشرة مقاتلين في اليوم الأول، وتكبدت القوات المهاجمة الكثير من القتلى أيضاً». منذ أشهر رصدت قوات «الجيش الحر» تجمعات لـ «حزب الله» واستعدادات في منطقتي تل الهوى في ريف دمشق ونبع الفوار في القنيطرة، وكانت الاستعدادات والاتصالات التي تتم باللكنات اللبنانية وباللغة الفارسية، توحي بأن خطة العمليات ستكون قريباً باتجاه منطقة الحارة في القنيطرة، المنطقة التي حررها الجيش الحر في الشهر العاشر من عام 2014. الاستعدادات المضادة كانت «وفق قدراتنا وإمكاناتنا» يقول أبو صلاح قائد ألوية سيف الشام، بينما يشير أبو أسامة إلى أن الاستعدادات كانت مع عقلية مختلفة في العمل: «لا يمكننا مواجهة جيوش نظامية بكل إمكاناتها المفتوحة في حرب مواجهة، قررنا العودة إلى أصول العمل، وإلى حرب العصابات، وتكبيد العدو أكبر قدر ممكن من الخسائر». يوم العمليات الأول شكل صدمة للجيش الحر، حيث شاركت ثلاثة قطاعات في المواجهة: الجيش الأول، ألوية الفرقان، وألوية سيف الشام، واضطرت للتراجع تحت ضغط الهجمات التي شنها مقاتلو «حزب الله»، والحرس الثوري الإيراني في المنطقة، مدعومين بمدفعية النظام وطائراته الحربية. دارت العمليات على محاور دير العدس، الدناجي، تل مرعي، تل فاطمة، تل ماكر، وأضيفت إلى العمليات الليلية عمليات استطلاع قتالية، حيث كانت القوة المهاجمة ترسل مجموعات صغيرة تحاول الاقتحام، وتلتحم بالمدافعين من «الجيش الحر»، ويكتشف عندها قدرات الدفاع وثغراته، وتتبعها قوة كبيرة مؤللة، تنفذ الاقتحامات الرئيسية في النقاط الأضعف. وهذا التكتيك مكلف بشريًا، ويؤدي إلى سقوط عدد كبير من القوة المهاجمة، لكن فاعليته عالية في معرفة نقاط الضعف، بالتالي اختراق الدفاعات الأضعف، وهو ما شكل أحد عوامل نجاح القوة المهاجمة. ولكنه في المقابل أدى إلى سقوط الكثير من الإصابات التي نقل جزء منها إلى دمشق جواً في الأيام الأولى تمهيداً لنقلها إلى بلادها. وإلى جانب التكتيكين السابقين عمدت القوة المهاجمة إلى الدخول إلى المناطق واختراقها، ثم الانسحاب سريعاً منها فور تعرضها لضغط ناري، ما سمح لها تقليص حجم الإجهاد من جهة، واستنزاف قوات «الجيش الحر» وذخائره، وإرهاق مقاتليه بإمكاناتهم المتواضعة في عمليات كر وفر تحدد القوة المهاجمة توقيتها وحجمها وسرعتها، وفي حين تعتقد القوة المدافعة بأنها تعيد تحرير المناطق، فإنها في الحقيقة تصرف طاقتها وذخيرتها ووقودها بينما القوة المهاجمة أجرت استعداداتها لمدة شهر لمعركة طويلة في هذه المناطق. ويؤكد قادة «الجيش الحر» في الجبهة الجنوبية أن خسائرهم محدودة، وغالبيتها سقطت خلال الأيام الأولى، بينما تكبد المهاجمون من «حزب الله» والحرس الثوري، وبعض قوات النظام الكثير من الإصابات، تشهد على ذلك صور عدد من القتلى، وسقوط 43 مقاتلاً من الحرس الثوري و «حزب الله» في مكمن واحد، وسقوط 20 آخرين في مكمن آخر، إضافة إلى القتلى في معارك اليوم الأول، ووصلت معلومات من مستشفيات المنطقة عن حجم الإصابات وإجلاء جثث المقاتلين اللبنانيين والإيرانيين إلى دمشق لإعادتها إلى بلادها. وحين توقفت المعركة اعتقد القادة في «الجيش الحر» أن الأحوال الجوية هي ما منع مواصلة القتال، إلى أن أبلغتهم إحدى العواصم الغربية بأن حجم الإصابات دفع القوات الأجنبية المهاجمة إلى إعادة تشكيل القوى، مشيرة إلى أن القيادة الفعلية اليوم للأرض والمعارك وغرف العمليات أصبحت مشتركة بين الحرس الثوري و «حزب الله»، مع تغييب كامل للضباط السوريين، وأن عملية إعدام 12 ضابطاً من الجيش السوري التي نفذها الضباط الإيرانيون كانت شبه عشوائية، لفرض الطاعة وإلزام الضباط بالخضوع لغرفة العمليات المشتركة (الإيرانية - اللبنانية) ولتلقين الضباط درساً بعدم التراجع أو محاولة طعن القوات الأجنبية بالظهر. لكن القتال سيستأنف، ويقول أحد القادة في الجبهة الجنوبية «بصدق، نحن نعلم أن الجيش النظامي يمكنه أن ينفذ اجتياحاً للمنطقة خلال أيام أو أسبوع، لكننا نعلم أنهم يريدون تضخيم المعركة، ربما يحققون هدفهم بالوصول إلى تل الحارة، بالتالي السيطرة على التلال المحيطة، التي تشكل امتداداً حيوياً لنا لأسباب لن نعلن عنها هنا، ولكن سيكون الأمر أكثر إثارة للرأي العام بحال حققوا ذلك بعد أسابيع من القتال، ومع ضخ إعلامي بأنهم يواجهون قوات إسلامية متشددة، مدعومة من إسرائيل كما يتحدثون في إعلامهم». وفي الواقع، فإن القوات المدافعة في الأيام الأولى للعمليات كانت عبارة عن الجيش الأول وألوية سيف الشام، وألوية الفرقان، وأتى بعدها الدعم من الكثير من الألوية والفصائل، ومن ضمنها «جبهة النصرة» التي شاركت ببضع عشرات من المقاتلين. في المقابل، فإن أسلوب القتال سيتغير في الجبهة الجنوبية، بخاصة في معركة القنيطرة، حيث أكد أبو أسامة الجولاني نائب قائد الجيش الأول، أن من المفترض بـ «الجيش الحر» اعتماد أساليب حرب العصابات، وأن ترك المناطق السكنية قد يكون مفيداً، بخاصة إذا ما خفف من إراقة دماء الأبرياء، على أن ينتقل القتال إلى حيث يحدد الثوار وليس القوات المحتلة، وأن المهم ليس تحرير قطعة من الأرض وحمل عبء إدارتها وتأمين حياة المواطنين وسلامتهم وغذائهم، بل المهم هو تكبيد العدو كلفة بشرية عالية مع كل متر يتقدمه. «لن نقع في فخ القصير ويبرود ولن نسمح بتضخيم حجم المعركة ونفخها لتعظيم الانتصار الذي سيجنيه المحتلون، فليتقدموا، ولكننا سنزرع في كل متر جثة ضابط ومقاتل من مقاتليهم وضباطهم»، يقول أبو أسامة. ويتوقع المقاتلون في الجبهة الجنوبية أن تطول المعركة، وأن تستغرق شهراً أو أكثر، سيعمد المهاجمون إلى عمليات حصار وتطويق، بدأت تباشيرها منذ اليوم الأول للعمليات في السابع من الشهر الحالي، وسيتم دفع «الجيش الحر» إلى حشد المدافعين، حيث سيسهل استنزافهم واستهلاك قواهم، وعلى فترة طويلة، يكون السيد فيها هو القصف الصاروخي وقضم المناطق وتكبيد المدافعين أكبر عدد ممكن من القتلى، وإيقاعهم في فخ الدفاع المستحيل عن مناطق سكانية، وإشغالهم بإغاثة السكان المدنيين، والاعتناء بلاجئين ينزحون من مناطق القتال إلى داخل درعا والقنيطرة، بينما يقرر المهاجمون ساعة الصفر في إطلاق اجتياح المناطق حتى الحدود، وإعلان انتصارهم المدوي. ويعد قادة «الجيش الحر» العدة للعمل في الظروف المناخية الصعبة، وفي المناطق الوعرة، وبعد أيام قليلة ستكون صورة التطورات أكثر وضوحاً، وبينما سيستمر «حزب الله» والحرس الثوري ببث الدعاية السياسية التي تظهر الجنرال سليمان كمحرر للقدس، وعناصر «الجيش الحر» كعملاء للعدو، سيقاتل هؤلاء الشبان في الجرود والجبال للدفاع عن أرضهم، بوجه نظام قمعهم طويلاً، وضد قوات أجنبية أتت لتحل ملفات تتفاوض عليها مع الولايات المتحدة، على حساب الأراضي السورية والشعب السوري.