نعم لقد أبكيت المنابر قبل العيون والحناجر. وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ودعنا وودعت الامة العربية والاسلامية والعالم أجمع بالحزن والألم رجلاً زرع محبته في قلوب الجميع بإلانسانية العظيمة. وبصفات الابوة في قربه الشديد من شعبه الذين عاش معه التحول الكبير والتطور الهائل الذي شهدته هذه الارض المباركة بالبذل والعطاء وتقديم مصلحة الوطن والمواطن قبل كل شيء. وليشهد الجميع سواسية نهضة غير مسبوقة في جميع المجالات, وكان يرحمه الله نبراساً وخير مثال يضرب في تحمل هذه المسؤولية العظيمة. لتملأ خيراً كبيراً من الزمان والمكان بعد مسيرة مضيئة ترجمت حرصه وتفانيه وإخلاصه لقضايا امته. وأن هذا الخير لم يقتصر على المملكة فقط بل شمل مختلف انحاء العالم حرصاً منه على تأكيد رسالة الاسلام الخيرة التي تدعو إلى التعاون الإنساني وإغاثة الملهوف ونصرة قضايا الإسلام والمسلمين. ونشر التسامح بين أتباع الاديان السماوية والثقافات والحضارات وتعميق المعرفة بالاخر وبتاريخه وقيمه وتأسيس علاقات على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري. لقد فجعت الامة الإسلامية قاطبة بوفاة الملك عبدالله, وخسرت بوفاته رائداً للتضامن الاسلامي وركنا للعمل الإسلامي المشترك وصرحاً للدفاع عن قضايا الإسلام ومصالح المسلمين وقائداً مناصرا لقضايا الاسلام العالمي, ومدافعاً عن حقوق الشعوب في الحرية والكرامة والتقدم والتنمية. نعم لقد خسر العالم بوفاته أحد عظماء القادة في العصر الحديث. زعيماً سياسياً عالمياً ذا رؤية إنسانية مستقبلية وداعية للسلام والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان. ويعتبر الملك عبدالله يرحمه الله أحد أبرز حكماء العرب والمسلمين فهو رائد الدعوة إلى الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات ومبادرته في هذا المجال دخلت حيز التنفيذ على صعيد السياسة الدولية. وكانت فكرة الحوار أحد المحاور الاساسية للسياسة التي اعتمدها على الصعيد الداخلي. حيث يدخل ضمن إنجازاته الكبيرة إرساء قواعد الحوار الوطني في المملكة الذي يعد ركيزة من ركائز السلم الاهلي والوئام المجتمعي. ولقد عرف الملك عبدالله رحمه الله منذ أن تولى الحكم في عام 2005 بالحكمة والحنكة والحرص على خدمة وطنه وأمته. هذا ما تثبته الإنجازات التي تحققت في المملكة في جميع القطاعات والمناطق, مما أحدث نقلة نوعية, في السنوات التي قضاها في الحكم رغم انها قصيرة, أقل من عشر سنوات. إلا أنها كانت حافلة بالمنجزات والعطاء والمواقف المشرفة في الداخل والخارج والتي ستظل من الثوابت والشواهد التي يشهدها التاريخ ويتناقلها الاجيال جيلا بعد جيل. وقد شهدت ايامه الاخيرة حرصه على دعم الصف الخليجي والعربي والاسلامي. فهذا الحرص هو الذي دفعه لتتويج جهود المصالحة الخليجية بحكمته, لينهي بذلك واحدة من أخطر الازمات التي تعرض لها مجلس التعاون الخليجي. ولم تغب قضايا الامة العربية والاسلامية عن فكره وجهده غفر الله له. فكان لمواقف المملكة في عهده دور بارز في العديد من القضايا, كما كان لدعواته للحوار والانفتاح ونبذ الخلافات والتكاتف لمحاربة الارهاب صدى بارز على المستوى العالمي. وقد اشاد واثنى الكثير من الملوك ورؤساء وزعماء دول العالم الذين شاركوا في واجب العزاء على سياسات ومواقف الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في دعم السلام بالمنطقة ووصفوه بالصديق الامين والقائد الشجاع واعتبروه رجل دولة من الطراز الاول. وهذا يدل على مكانته العالمية ويعزز قيادة المملكة على الصعيد العالمي. حقاً لقد شهدت الرياض توافدا من جميع انحاء العالم من المعزين والمعبرين عن حزنهم الشديد على فراق رمز العروبة ومواسين في هذا المصاب الجلل. واكتظت إمارات المناطق بالمملكة والسفارات حول العالم بالمعزين الذين عبروا عن حزنهم وحبهم لهذا الرمز العالمي ولمكانة المملكة. ويشهد التاريخ لقد مرت في عهد الملك الراحل عبدالله تحديات سياسية, وواجهت بلادنا أزمات عدة. لكنه رفض الخضوع لأي ضغوطات في شأن ملفات المنطقة الساخنة سواء كانت في الداخل الخليجي او مصر او سوريا او لبنان. وإذا ما نظرنا الى أصداء العالم احتل خبر وفاة الملك عبدالله العناوين الرئيسية وصور مؤثرة في الصفحات الاولى. وعلى سبيل المثال احتلت صورة الملك عبدالله رحمه الله نصف الصفحة الإلكترونية من صحيفة نيويورك تايمز والتي وصفته بأنه (ذو صيت إصلاحي وراغب في جمع الكلمة). وكانت الصحف والقنوات العالمية حاضرة في تغطية الكثير من الخطوات التي عاشتها المملكة خلال الايام الماضية. وما نقوله إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا ابا متعب لمحزونون. اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وأكرم نزله وأدخله جنات النعيم وأسكنه الفردوس الاعلى انك سميع مجيب. خبير الشؤون الإعلامية والعلاقات العامة