«يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي». إن لخبر الموت رنة حزن بالغة الأثر، تفقد الإنسان توازنه، وتشتت فكره، ويعصر ألمها قلبه، وتقوض مفاجأتها قواه، فيكف والحال يتعلق بوالد الجميع الملك عبدالله بن العزيز، الملك الصالح والقائد الشجاع الذي أحب شعبه وأحبه شعبه في تبادلية فريدة من العلاقات الحميمية الاستثنائية لزعيم استثائي يندر أن تكون مثلها بين حاكم ومحكوم في العصر الحديث كما هي عند عبدالله بن عبدالعزيز الذي قال ذات يوم: «شعبي مثل عيوني». • لقد عم الآسى والحزن الملايين من الشعب السعودي الوفي ومن أبناء الأمتين العربية والإسلامية والعالم من وقع خبر فاجعة الفقد، لكنه القضاء والقدر، فقد استقبلت هذه الملايين الخبر على مرارته بالتسليم بالقضاء والقدر كما علمنا ديننا الحنيف، وبتجاوزهم المحنة بالصبر والاحتساب، والدعاء للفقيد بالرحمة وحسن الجزاء على ما قدم لشعبه وأمته. • لقد قدم الراحل الكبير لشعبه ولوطنه ولأمته أعمالا لا تقاس بالسنوات العشر - فترة حكمه - بل هي إنجازات خالدة تعدت القياس بحسابات الزمن وستبقى شواهد عصر وعلامات مضيئة على جبين التنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية، عندما يقف الراصد، راصد التاريخ أمام أعمال ومنجزات الفقيد يجد أنها في مجملها أعمال جليلة وعظيمة إلا أن ذروتها وسنامها ومفخرتها توسعة الحرمين الشريفين، والإصلاحات الفائقة الجودة والجمال التي شهدتها الحياة المدنية حديثا وتنمية وعلى وجه خاص النهوض بالتعليم والتنمية البشرية.. • لقد تمكن الراحل من قيادة بلاده بحنكة، وحكمة، وشجاعة، وصدق، وأمانة، وإخلاص، وتفان، كان ينظر إلى الأمام دائما، يسابق الزمن بمشاريع التطوير الضخمة ليزف شعبه إلى مستقبل أكثر إشراقا ورفاهية وتمدنا، مجنبا بلاده ما عصف بالمنطقة العربية من أحداث مؤسفة، ورغم مسؤولياته الداخلية الكبيرة إلا أنه لم ينشغل بها عن أمته العربية والإسلامية وعن مسؤولياته الدولية فقد كان حصنا منيعا في الدفاع عن الأمتين العربية والإسلامية وسندا للحق والعدل فعرف برجل السلام والتسامح العالمي. • إن هيبة الملك لم تفصل عبدالله بن عبدالعزيز الإنسان عن الناس فشخصيته التي ميزتها البساطة دخلت إلى القلوب بلا استئذان متزينة بخصال ومزايا تاه الناس بها حبا وتعلقا، جمعت له هذه الخصال بين قوة في إيمان وثبات على الحق، وحكمة، وسداد رأي، ولطف، وأريحية، وطيب معشر. • إن رحيل الملك عبدالله خسارة فادحة ليس فقط للمملكة والعالمين العربي والإسلامي بل للسياسة الدولية المعتدلة التي عرفته بمواقفه السياسية الدولية الثابتة التي ارتكز فيها على وجوب تحقيق العدل والإنصاف والمساواة مهما كانت الظروف والأحوال، وصلابته في نبذ التطرف والعنف والغلو والفئوية، ورفع الظلم والجور عن المظلومين والمضطهدين أينما كانوا. إن ساحة السياسية على وجه خاص ستفتقد حكيما مرموقا، وقائدا عظيما، ومصلحا، وسندا، وركنا من أركان السلام العالمي يندر أن يجود الزمان بمثله. • إن ما سيخفف الحزن ويجبر الكسر ويلم شتات الفكر أن بلادنا إلى خير إن شاء الله بفضل مواصلتها لسياستها المتوازنة وثوابتها الراسخة، فقد أكد المشهد الموروث في الانتقالية للسلطة هذا المعنى من الثبات بدون مجال للخطأ أو الاحتمال فيه، فتم وبيسر انتقال مسؤولية القيادة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ليصبح الملك السابع في السلسلة الذهبية التي تعاقبت على حكم المملكة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود (يرحمه الله)، إن انتقال السلطة بهذه السلاسة أراح المواطنين وأضاف لمسة من الثقة خلطت حزنهم بفرحهم. • إننا ونحن نستقبل عصرا جديدا من الحكم والمسؤولية في شخص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله بعينه التي لا تنام - مطالبون بأن نكون يدا بيد مع قيادتنا لنمضي قدما ببلادنا لمواصلة البناء والسعي لحياة كريمة. • إننا مطالبون بأن نمحض القيادة النصح والإخلاص والولاء ونقف معها صفا واحدا بالعمل الجاد في المحافظة على وحدتنا وأمننا وصيانة منجزاتنا وأن نكون سدا منيعا في وجه كل طامع يسعى للفساد والعبث بما تحقق لبلادنا من أمن واستقرار حتى نضمن - بعد توفيق الله - لأجيالنا الحياة الآمنة المطمئنة. • إنها لحظة من التاريخ نزجي فيها لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي العهد ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد صدق البيعة والطاعة والولاء والدعاء لهم بالعون وبالتوفيق على تحمل المسؤولية العظيمة التي آلت إليهم وبايعهم عليها شعب المملكة العربية السعودية لمواصلة المسيرة المباركة التي أسس بنيانها الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله رحمة واسعة.. • اللهم.. الطف بوالدنا عبدالله بن عبدالعزيز وأنزله منزلا مباركا في الفردوس الأعلى من الجنة وأنت خير المنزلين. اللهم.. ارفع درجته في عليين وأجزه عنا خير ما تجازي به عبادك المؤمنين. • نقدم العزاء وكريم المواساة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولسمو ولي العهد الأمين ولسمو ولي ولي العهد ولأبناء فقيد الوطن الغالي وللأسرة المالكة وللشعب السعودي وللأمتين العربية والإسلامية. أدام الله على بلادنا أمنها وأمانها وقيادتها وجنبها الإحن والمحن وغوائل الزمان وغدره.. إنا لله وإنا إليه راجعون. * عضو مجلس الشورى السابق