* موسكو تتحدث عن حقيقة «انتقام داعش» وتهديداتها للمصالح الروسية في المنطقة * كشفت المصادر الرسمية الروسية عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس فلاديمير بوتين عن اتخاذ قراره حول وقف الطيران إلى مصر وإعادة مواطنيه من هناك. وأكدت مصادر الكرملين ما كشفت عنه «الشرق الأوسط» من موسكو، أمس، حول أن الرئيس بوتين اتخذ قراره استنادًا إلى ما أطلعه عليه ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني من معلومات مؤكدة حول فرضية العمل الإرهابي وتسجيلاته لمكالمات عدد من الإرهابيين في سيناء. وكانت الصحف الروسية نقلت عن المصادر الغربية ما قالته حول ماهية منفذي العملية الإرهابية، فيما أشارت إلى أبي أسامة المصري من تنظيم ولاية سيناء، الذي أقسم يمين الولاء لأبي بكر البغدادي زعيم «داعش»، وقالت إن أحد أفراد هذا التنظيم تولى نقل العبوة الناسفة إلى داخل الطائرة المنكوبة. وأضافت المصادر الروسية أن القرارات التي صدرت عن الكرملين وتعليماته إلى الحكومة الروسية تقول إن موسكو الرسمية صارت اليوم اقرب من أي وقت مضى إلى تبني «فرضية العمل الإرهابي»، وإن قالت بضرورة انتظار القول الفصل والنتائج التي يمكن أن تصل إليها لجان التحقيق. من جانبها، عقدت الحكومة الروسية، أمس، اجتماعًا طارئًا لبحث تطورات الأوضاع على صعيد وقف الرحلات الجوية إلى مصر والموقف من إعادة السائحين الروس ومدى تعاون السلطات المصرية مع موسكو في هذا الشأن. وكشف ديمتري ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية عن أن توقف الرحلات إلى مصر سوف يطول هذه المرة إلى حين التأكد التام من إجراءات الأمن والسلامة لحماية السائحين الروس، الذين يختارون المنتجعات السياحية المصرية لقضاء إجازاتهم. وقال ميدفيديف إن حظر الطيران يشمل كل الرحلات الجوية بما فيها الرحلات الدورية و«العارضة - الشارتر» و«الترانزيت» لشركات الطيران المدني، مؤكدًا ضرورة التنسيق والعمل مع الأجهزة الأمنية المصرية، وهو ما أكده اركادي دفوركوفيتش نائب رئيس الحكومة الروسية، الذي كشف عن إيفاد لجان من خبراء الأمن والطيران إلى مصر ومواصلتهم الإشراف على إجلاء الرعايا الروس. من ناحيته قال ديمتري غورين نائب رئيس اتحاد الوكلاء السياحيين في روسيا إن الخسائر التي تتكبدها شركات السياحة الروسية في هذا الصدد تبلغ ما يزيد عن 3.6 مليار دولار، مشيرًا إلى وجود تعاقدات وصلت إلى ما يزيد عن 70 ألف رحلة سياحية، غير أن ايرينا تيورينا الناطق الرسمي باسم الاتحاد قالت إن الرقم يفوق ذلك بكثير، إذ إن الرحلات التي جرى التعاقد عليها حتى مارس (آذار) 2016 تبلغ 140 ألف رحلة. وأكد رئيس الحكومة الروسية أن الدولة تبحث تعويض الشركات والمؤسسات التي تضررت من وقوع كارثة الطائرة الروسية، في الوقت نفسه الذي يواصل فيه الكثيرون من السائحين الروس من عدم تعويضهم ورفضهم لمحاولات تحويل مقصدهم السياحي من مصر إلى تركيا، بسبب عدم توفير مستوى الفنادق التي تعادل ما كانوا تعاقدوا عليه بالنسبة لرحلاتهم إلى المنتجعات المصرية، وهو ما أكده دفوركوفيتش نائب رئيس الحكومة الذي قال إن نسبة الذين وافقوا على تغيير مقاصد رحلاتهم لا يزيد عن 20 في المائة. ونقلت المصادر الروسية عن الجانب المصري ما قاله حول أن خسائره تبلغ اليوم ما يقرب من نصف مليار دولار ستزيد مع استمرار الأزمة إلى ما يقرب من ملياري دولار، مرشحة للزيادة، إذا ما طالت لما هو أكثر من ذلك. وبينما تواصل السلطات الرسمية محاولاتها لاحتواء تداعيات الكارثة، ومتابعة ما تتخذه السلطات المصرية مع ممثلي الأجهزة الأمنية الروسية من إجراءات لتوفير ما يلزم لرحيل السائحين الروس ونقل أمتعتهم إلى الوطن، تستغرق الأوساط السياسية والاجتماعية في محاولات استيضاح ملابسات الموقف، لا سيما ما يتعلق منها بما يقال حول ارتباط الحادث بما يجري على الأرض السورية وتهديدات «داعش» بالانتقام من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإلحاق الأضرار بالمصالح الروسية في المنطقة. وأعادت الصحافة الروسية إلى الأذهان ما قاله بوتين حول أفضلية أن تجري عمليات القضايا على الإرهابيين من «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى بمن يوجد في صفوفها من أبناء روسيا وبلدان الفضاء السوفياتي السابق، الذين يبلغ عددهم ما يقرب من سبعة آلاف مقاتل على الأرض السورية، بدلا من الانتظار ومواجهة احتمالات عودتهم إلى أوطانهم لممارسة نشاطهم الإرهابي. وثمة من أشار أيضًا إلى أن العلاقة المتميزة التي تربط الزعيمين الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي صارت تقض مضاجع الكثيرين في الساحتين الإقليمية والدولية، ومنهم من يتوق إلى تقويضها وضرب مصالح البلدين. غير أن هناك من راح يؤكد أن الأوضاع الراهنة وما يجري من أحداث مأساوية وعلى النقيض من توقعات وأهداف التنظيمات الإرهابية وخصوم تحسن العلاقات الروسية المصرية، لن تزيد الرئيس بوتين إلا إصرارا أكثر على مواصلة ملاحقته للإرهابيين وحملته الرامية إلى القضاء عليهم بعيدا عن حدود الدولة الروسية. وأعادت الأوساط السياسية والاجتماعية الروسية إلى الأذهان، ما سبق وجرى في روسيا وخارجها منذ تزعم بوتين حملة القضاء على الانفصاليين والإرهابيين الشيشان خلال الحرب الشيشانية الثانية (1999 - 2001)، وما قاله آنذاك حول إنه «سوف يلاحق الإرهابيين حتى المراحيض». ورغم موجات العمليات الإرهابية التي اجتاحت مختلف أرجاء الأرض الروسية، ومنها حادث احتجاز الرهائن في مسرح دوبروفسكي في قلب العاصمة الروسية، واختطاف الرهائن من أطفال مدرسة بيسلان في أوسيتيا الشمالية وتفجيرات مترو الأنفاق والمساكن في موسكو وعدد من كبريات المدن الروسية، فقد نجح بوتين في وأد أحلام الإرهابيين وتصفية الكثير من زعمائهم في الداخل. ولذا فمن المتوقع أن يواصل الرئيس بوتين حملته بعيدا عن أوهام احتمالات التراجع عن عمليته العسكرية في سوريا، مع الحرص بطبيعة الحال على عدم الوقوع في شرك العودة إلى التجربة السوفياتية في أفغانستان، فلا أحد في روسيا يمكن أن يوافق أو يقبل مثل هذه الاحتمالات. وقد أشار الكسي ماكارين الخبير في مركز التكنولوجيا السياسية في حديثه إلى وكالة «أسوشييتد برس» إلى احتمالات إرسال المزيد من القوات الروسية والمتطوعين إلى سوريا لدعم لنظام الرئيس بشار الأسد مثلما سبق أن حدث خلال الغزو السوفياتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وهو ما قال إنه يمكن أن يزيد من تدهور علاقات روسيا مع الغرب وهو صحيح. وكان ماكارين أشار أيضًا إلى احتمالات أن يجنح بوتين نحو التركيز على مكافحة «داعش» في الوقت الذي قد يضغط فيه على الأسد لدفعه نحو التعاون مع المعارضة لتشكيل الحكومة الانتقالية. ويقول مراقبون كثيرون إن القضايا المتعلقة بالجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السورية، تظل تحمل في طياتها ما يجعها مع كثير من قضايا منطقة الشرق الأوسط، ومنها بطبيعة الحال مكافحة الإرهاب، وهو ما يتطلب الكثير من التعاون والتنسيق بين مختلف بلدان المنطقة وكبار اللاعبين في الساحتين الإقليمية والدولية. ومن هذا المنظور يمكن تناول اتصالات الرئيس الروسي مع كثير من زعماء هذه الدول، من أجل حشد الجهود والتعاون المشترك في هذا المجال. وحتى ذلك الحين تتجرع روسيا آلامها وتداعيات الكارثة التي تظل تخيم بظلالها الكئيبة على المشهد الحزين. ولعل ما عاشته سان بطرسبورغ خلال الأيام القليلة الماضية من مشاهد تأبين ضحايا الكارثة، يقول إن الحزن الذي يعتصر قلوب الملايين من أبناء المدينة والمتعاطفين معهم في الداخل والخارج سوف يحدد الكثير من ملامح المشهد العام، وكذلك سياسات الكرملين في التعامل مع التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «داعش» و«النصرة» وغيرهما من التنظيمات التي لا تزال تقض مضاجع الوطن.