يبدو أن الفيلم الإيرلندي «جبل الجلجلة-Calvary» موعود بالجوائز، فقد بدأ عام 2014 بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين، ثم اختتم 2014 بفوز بطل الفيلم «بريندان جليسون» بجائزة أفضل ممثل من جوائز الأفلام البريطانية المستقلة، وقد فاز خلال العام أيضاً بجائزة الأفلام والتلفزيون الإيرلندية عن أفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل ممثل، ومع كل هذه الجوائز، فقد بقي الفيلم في الظل جماهيرياً إلى حد كبير. أول ما يميز الفيلم أنه ابتعد عن الخلطة الأوسكارية البريطانية التي توالت هذا العام في محاولة لاستنساخ فيلم يشبه «خطبة الملك» King›s Speech 2010 والذي حصد أربعة جوائز أوسكار، ففي الفيلمين المتنافسين لهذا العام «The Imitation Game» و»The Theory Of Everything»، وإن كان لابد من القول بأنهما فيلمان جميلان وقصصهما ملهمة في حد ذاتها، لكنهما كررا نفس السرد التقليدي ل»خطبة الملك» بصناعة متقنة لموضوع شبيه وهو إشكالية جسدية أو نفسية تواجه البطل، وإن نجح الفيلم الثاني بتركيزه على الجانب الرومانسي والشخصيتين الرئيسيتين أن يعالج الموضوع بشكل مختلف. إلا أن «جبل الجلجلة» ابتعد عن السيرة الذاتية، بشكل كامل، ليغوص في منطقة شائكة وبسيناريو يحمل سردية مختلفة لقصة محكمة البناء وأصيلة. الفيلم يبدأ براهب يدعى جيمس «بريندان جليسون» يدخل ليستمع إلى اعترافات رجل، يظل مجهولاً حتى نهاية الفيلم. يذكر هذا الرجل أنه تعرض لاعتداء عندما كان صغيراً على يد أحد الرهبان، وأنه لا يستطيع نسيان ما حدث له، رغم وفاة هذا الراهب، لذا قرر الانتقام من «جيمس» نفسه لأنه يراه بشكل ما امتداداً للراهب الراحل ولابد أن يدفع الثمن نيابة عنه، ويهدده بأن أمامه أسبوعا واحدا فقط ليستعد للموت. يخرج الرجل سريعاً، والمفاجأة تعلو وجه جيمس الذي لا يعرف ماذا يفعل. نشاهد جيمس أثناء هذا الأسبوع وهو يتساءل هل يذهب فعلاً لمقابلة هذا الرجل عند الشاطئ ويحاول أن يثنيه عن فكرة الانتقام، أم يهرب. نراه أيضاً وهو يحاول أن يساعد الجميع ولكنه يتعرض لاختبارات قاسية. تحضر ابنة جيمس فيونا (كيلي ريلي) من لندن بعد محاولة انتحار فاشلة وهي تعتب على أبيها لأنه كان بعيداً عنها عندما احتاجت إليه، أي أنه رغم كل محاولاته بمساعدة الآخرين قد فشل في مساعدة ابنته عندما احتاجت إليه. نرى جيمس يصارع من أجل الحفاظ على مبادئه وعلى رباطة جأشه وسط كل ما حوله، كما نرى له أكثر من وجه ولذلك فنحن نظل حتى النهاية لا نعرف كيف سينتهي به الحال. شخصيات الفيلم أيضاً هي شخصيات غريبة، وكل شخصية تشكل تحدياً لرجل الدين، ويمكن القول إن سيناريو الفيلم الذي كتبه مخرجه جون مايكل ماكدونا هو سيناريو محكم ومدروس، ورغم أنه يحمل طابع الكوميديا السوداء أحياناً، لكنه يحوي الكثير من الدراما. لابد أيضاً من الإشادة بأداء جليسون، الذي استطاع تحمل الثقل الأكبر من الفيلم على عاتقه، وأبدع في تصوير الصراعات الداخلية، والغضب المكبوت أحياناً تجاه ما يشاهده، وحيرته في أحيان كثيرة تجاه التصرف الأمثل للتعامل مع الآخرين. للأسف لا تحصل الأفلام المستقلة كفيلم «جبل الجلجلة» دائماً على الأضواء بشكل كاف، ولكن كثيراً منها تتجاوز جمالياته الأفلام ذات الإنتاج الضخم الجماهيرية، وإن لم يكن هناك جماليات بصرية خاصة في هذا الفيلم سوى مشاهد البحر، لكن قصته وأداء ممثليه كفيلة بتحقيق مشاهدة ممتعة.