لا يستطيع كثير من السوريين العيش في بلادهم ، ولا يجدون من يرحب بهم في أي بلد خارجها . وهناك قتال داخل سوريا بين الدولة والمعارضة وهناك أيضاً قتال بين المعارضة والمعارضة . القتل والذبح والقصف أدى إلى تشريد الملايين من أبناء سوريا داخل البلاد وخارجها . فاللاجئون والمشردون لا يتواجدون خارج سوريا فقط بل إن أعداداً كبيرة منهم تنتشر في مخيمات داخل البلاد حيث يتم تهجير كثيرين من مناطقهم إلى مناطق أخرى . منظمة العفو الدولية نشرت أرقاماً تظهر أن أقل من اثنين بالمائة فقط من النازحين السوريين حصلوا على ملاذ خارج أربعة أقطار عربية بالإضافة إلى تركيا . والبلدان العربية هي لبنان والأردن والعراق ومصر . وأكثر هذه البلدان تضرراً من تواجد اللاجئين بأعداد كبيرة هو لبنان بمصادره المحدودة والذي يحتل المرتبة الثانية عالمياً في أعداد اللاجئين على أراضيه .ومؤخراً فاجأت السلطات اللبنانية الكثيرين حين تحدثت عن سعيها الحد من أعداد اللاجئين السوريين التى تدخل أراضيها ، وأعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبناني بنهاية الشهر الماضي (31 ديسمبر ) عن تعديلات جديدة في نظام التأشيرات التي يستخدمها السوريون عند دخولهم إلى لبنان . ففي الماضي كان بإمكان السوري الحصول على تأشيرة على الحدود عند دخوله الأراضي اللبنانية صالحة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد وبدون تسديد أي رسوم . أما التعديلات الجديدة فهي تصنف التأشيرات فى ست فئات : سياحة ، أعمال ، دراسة ، ترانزيت ، إقامة قصيرة ، أو دواعٍ طبية . هناك مليون ومائة ألف لاجئ سوري مسجلين في لبنان ، وتشير التقديرات إلى أن عدداً آخر من اللاجئين السوريين غير مسجلين ويقرب عددهم من ثلاثمائة ألف شخص . وهذه الأرقام تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد اللبناني ، والبنى التحتية اللبنانية التي كانت تواجه عجزاً حتى قبل انهمار اللاجئين عليها . بما في ذلك الكهرباء والمياه . وتتسبب هذه الأعداد الكبيرة في ضائقة اقتصادية خانقة واضطرابات اجتماعية ، أبرزها الاشتباكات التي تتكرر بصورة روتينية في طرابلس والمواجهات الدامية مع رجال الأمن في بلدة عرسال شمال البلاد ، وكذلك الهجوم الانتحاري المزدوج في منطقة جبل محسن العلوية بمدينة طرابلس والذي نفذته جبهة النصرة باستخدام انتحاريين لبنانيين . بالإضافة إلى إستمرار احتجاز ما لا يقل عن عشرين جندياً لبنانياً من قبل الجماعات السورية المسلحة . البطش والإرهاب الذي يعيشه السوري في داخل بلده أكان من قبل النظام الإرهابي الفاسد ، أو الجماعات المرتزقة الإرهابية ، حولت الملايين من السوريين إلى لاجئين أكان داخل بلدهم أو خارجه . وليس من الواضح متى ستنتهي معاناة الإنسان السوري ، فالنظام غير قادر على السيطرة على البلاد ، وفتح الأراضي السورية لمختلف المرتزقة أكان الذين يعملون لصالح إيران دفاعاً عنه ، أو الذين يحملون رايات جهادية رغبة في استئصاله . ولن يشاهد السوري بداية نهاية مأساته هذه حتى تقرر إدارة باراك أوباما ما إذا كان عليها إيقاف المغامرة التوسعية الإيرانية ، ومعها مهزلة المعارضة الداعشية وغيرها ، أم أن مصلحتها في استمرار المغامرة والمعارضة في لعب أدوارهما الدموية مستخدمين الإنسان السوري والأرض السورية أدوات موت ودمار . فالإدارة الأمريكية أعلنت نفسها قائدة لتحالف محاربة النبتة الشيطانية التي برزت فجأة تحت اسم داعش كما أنها أكدت أنها تسعى لرعاية المقاومة السورية الوطنية التي تحارب من أجل تحرير سوريا من نظام البطش والإرهاب القائم فيها . وقيدت بذلك حركات المعارضة لنظام بشار الأسد ، وتركت الحرية للجهات الداعمة للنظام لمواصلة جهدها الدموى ، أكانت أيران بقواتها ومرتزقتها اللبنانيين ( حزب الله) أو بالدعـــــم المادي الذي تنجرف إليه روســـيـــا شيئاً فشيئاً ، كما كان يفعل نظامها السابق ( الإتحاد السوفيتي ) عبر دعمه لحركات متعددة في مختلف أنحاء العالم . ونعود إلى قضية اللاجئين السوريين .. إذ إن لبنان أو الأردن أو غيرهما لن يتمكنا من رعاية الأعداد الهائلة من النازحين ما لم تتم عمليات الإغاثة والرعاية بشكل أكثر تنظيماً وبقنوات محدودة وخاصة عبر الأمم المتحدة ، وأن يتم دعمها بالمال الكثير وبشكل منتظم . ولدي أيضا اقتراح ، وهو أن تتاح لمن تتوفر لديه المؤهلات والشروط للانتقال إلى إحدى البلاد التي تستقدم أعداداً كبيرة من العمالة الأجنبية أكان في دول الخليج أو أوربا وأمريكا أو أستراليا . إذ إن هناك كفاءات جيدة بين السوريين رجالاً ونساء يمكن إستخدامها في أعمال تنموية بأكثر من بلد ممن يستورد مثل هذه العمالة . فالوضع السوري الحالي يعتبر مأساة بالنسبة للسوريين ، ولكنه يمكن أن يوفر عمالة جيدة الأداء بالنسبة للدول الراغبة في ذلك .. وهذه مجرد فكرة يمكن تطويرها وتبنيها . adnanksalah@yahoo.com