الإرهاب من أشد إن لم نقل أشد وأعصى مشاكل هذا العصر اللا قيمي الذي نعيش فيه، يُهدِّد حياة الآمنين الأبرياء بدون مقدمات ولا إنذار، يقتل فيه الرجل الرجل لا يدري فيما قتله، كما وصف لنا ذلك نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وسماه بالهرَج وعلّمنا أنه سيكثر في آخر الزمان. في غمضة عين كان الرجل صافاً في طابورٍ لتأمين رغيف خبز له ولعياله فمات بعد أن فجّر أحدهم قنبلة عن بعد خضبت ذاك الرغيف بالدم الأحمر القاني، وأخرى يممت مجمعاً تجارياً مع أطفالها فعجل بهم الإرهابيون إلى عالم الآخرة وكل ذنبها وذنبهم الوجود في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ، أو كان جمع المحتفلين مبتهجاً بعرس قريب أو صديق أو جارٍ في قرية نائية من قرى العالم الإسلامي بينما طائرات الموت الموجهة تتربص بهم من ارتفاعات شاهقة دون أن يشعروا بوجودها يوجهها أناس على بُعد آلاف الأميال بلا مبالاة كما يوجه الصبي نيران ألعابه الإلكترونية، وما تلبث أن تنقض عليهم وتطلق صواريخ الموت فتمزق أجسادهم أشلاءً وتبخر فرحتهم تحوّل في ثوانٍ عرسهم إلى مأتم وربما كانت تستهدف شخصاً أو شخصين فقط من بينهم وقد ينجو المستهدفون بقدر الله ويموت المئات سواهم من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال فيطلق عليهم الإعلام العالمي "مصطلح" أضرار جانبية، وهناك من الإرهابيين من فقد تماماً الشعور بقيمة الحياة الإنسانية عند الله وعند رسوله فيُفجِّر نفسه وسط الجموع ليقتل "أعداءه". صور قاتمة مظلمة لم يعرف لها تاريخ البشرية في الأجيال السابقة شبيهاً. شهد الأسبوع الماضي عمليتين إرهابيتين الأولى وقعت يوم الاثنين الماضي 14 ربيع الأول 1436هـ إذ تعرضت دورية أمنية لحرس بمركز سويف التابع لمدينة عرعر السعودية إلى هجوم إرهابي مباغت استشهد على إثره أربعة من حماة الوطن وقتل ثلاث من المعتدين، والثانية وقعت يوم الأربعاء الماضي 16 ربيع الأول 1436هـ في العاصمة الفرنسية باريس حيث قامت مجموعة من الشباب الفرنسيين من أصول عربية مغاربية بمهاجمة مقر صحيفة "شارلي إبيدو" وقتل 12 شخصاً من العاملين بالصحيفة على خلفية نشر صور مسيئة للإسلام ولرسول البشرية محمدٌ صلى الله عليه وسلم بما لا يليق بمكانته العظمى عند ربه سبحانه وتعالى ثم عند مليار و600 مليون مسلم، 50 مليونا منهم مستوطنون بأوربا، والبقية في البلاد المسلمة وبقية أرجاء المعمورة، ولا تسمح الحكومة الفرنسية بمثله على رموز فرنسا الوطنية. وهذا التحليل لا يهدف إلى تبرير العمل الإرهابي بباريس، ولا إلى التعاطف مع أفراده، لكنه يهدف إلى تلمُّس الأسباب بهدف تلافي التكرار. تُدرك الحكومات الغربية -لاسيما الفرنسية- أن أحد أهم أسباب استهدافها من قبل الإرهابيين هو سماحها بالتطاول غير الموضوعي على كل مقدس لدى المسلمين، في الحين الذي لا تسمح بمجرد انتقاد الطائفة اليهودية أو إنكار "الهلوكوست"، فهي تكيل بمكيالين، وتدرك جيداً أنها بمثل هذا الفعل تعمل على خدمة "الإرهاب"، وتُعزِّزه وتُسهِّل عمليات تجنيد منظماته لآلاف الشباب الإسلامي المحبط. في الحين الذي قررت العديد من الصحف الأوروبية إعادة نشر الرسوم سيئة الذكر، تجنّبت كثير من وسائل الإعلام الأمريكية نشر الرسوم الساخرة الخاصة بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كمثل "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"أسوشيتد برس" وقالت بعضها: إن معاييرها المهنية تلزمها بعدم نشر الصور أو غيرها من المواد التي تسيء إلى المشاعر الدينية، فقد صرّحت "دانييل رودز" المتحدثة باسم شركة نيويورك تايمز في رسالة بالبريد الإلكتروني: "بعد دراسة متأنية قرر محررو تايمز أن وصف الرسوم المعنية من شأنه أن يعطي القراء معلومات كافية لفهم قصة اليوم". وقال بيل ماريمو رئيس تحرير فيلادلفيا إنكوايرر لرويترز: "تحت أي ظرف من الظروف لن ننشر الرسوم. فكرة إهانة عشرات الملايين من المسلمين دون مبرر بدلًا من وصف شيء بالكلمات غير واردة". وقال بول كولفورد المتحدث باسم أسوشيتد برس لرويترز: إن الوكالة لديها سياسة تلتزم منذ أمد بعيد بتجنب استخدام الصور الاستفزازية. والقول الفصل في القضاء على الأعمال الإرهابية بين الحضارتين الإسلامية والغربية هو التعامل بالاحترام المتبادل والمبني على تبادل المصالح المدنية والحضارية والاقتصادية والعلمية بين الطرفين بعيداً عن تعمد بعض مؤسسات الإعلام الغربي الإساءة إلى رموز الإسلام تحت شعارات حرية الرأي الذي لم يعد مقبولاً، فحرية الرأي مكفولة في الإسلام أيضاً والقرآن الكريم ذاته يناقش أقوال ومعتقدات الذين لا يؤمنون به ويسرد تكذيبهم للرسالة التي جاء بها نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم دون تحفظ في معرض دحضها والرد عليها بأسلوبه الراقي الرصين بعيداً عن الكذب والافتراء والسخرية الهابطة.