هل يمكن أن يصبح أناس عاديون، بمثابة بوابة الإعلانات للكثير من الخدمات التجارية، بدلا من وسائل الاتصال والإعلام المعروفة لدى الجمهور؟ هل يمكن أن يتحول بعض الأفراد في وسيلة التواصل الاجتماعي "الانستجرام" - على سبيل المثال- إلى الهدف الأول للمعلنين من التجار، من أجل الترويج لبضاعتهم أو دفع المستهلكين للوثوق بما يقدمونه من خدمات مختلفة. هذه التساؤلات طرأت على ذهني، حينما تواجهت مع هذه المعضلة، في كيفية التحول السريع لمنظومة الإعلام الرقمي في مجتمعنا المحلي تحديدا، وذلك حينما افتتح صديق للعائلة مطعما تركيا وأراد الترويج له، فتم نصحه ممن حوله، بأن أفضل وسيلة للإعلان عن افتتاح مطعمه الجديد عن طريق التواصل مع حساب شهير في برنامج "الانستجرام"، وقد فوجئ من طلبات صاحبة الحساب الشهير، بعد أن قدّم لها دعوة للحضور وتصوير المكان، وإعطاء جمهورها نبذة عن المطعم، لكن الشهيرة اعتذرت عن الحضور، وطبعا هذا حق من حقوقها، وجاء الاعتذار بسبب السيل المنهمر والطابور الطويل من المعلنين، الذين يقفون أمام حسابها طالبين منها التكرم عليهم بإعلان واحد، كما وأنها لا تجد وقتا لتلبية الدعوات الموجهة لها. لذا، فقد طلبت منه أن يقوم هو بالتصوير، وأن يرسل لها تقريرا بسيطا عن المكان، على أن تقوم بالدعاية له ولمرة واحدة فقط، وبمبلغ عشرة آلاف ريال سعودي، هل يمكنكم أن تتخيلوا تجارة سهلة مثل هذه؟ لا أظن، ويحق للشهيرة أن تتدلل طالما أن متابعيها يثقون تماما بما تقوم بنشره عبر موقعها، ولكن تهافت التجار لها أصبح لافتا للانتباه، إذ يمكنك أن توقن بأن الإعلام لدينا اتخذ مسارا مخالفا عما كان عليه قبيل سنوات. صاحبة الحساب الشهير باتت الآن أيقونة للكثيرات، كما أصبح الحساب بالنسبة لها الدجاجة التي تبيض ذهبا، وتجني من خلاله أرباحا طائلة، بسبب عدد متابعيها الذين يفوقون المليوني متابع، إذ إن بمجرد وضعها لأي صورة في حسابها، خلال ساعتين يمكن للصورة أن تحصد على أكثر من 23 ألف "لايك"، يعني ذلك أن التاجر من الممكن أن يضع في بطنه "بطيخة" صيفي حينما يعلن في حسابها، بعد أن يتأكد من عدد الزائرين فقط لبضاعته، على الأخص أن الشهيرة تملك مصداقية كبيرة في كل ما تطرحه في حسابها، ولأنها تعتمد على الاختيار الدقيق، الذي يعطي انطباعا سريعا للمتابعين بأن ما تقوم بزيارته أو تعلن عنه، ذا جودة عالية و"برستيج" أنيق لمن سيقلدها بعد ذلك. في السعودية تعدّ صاحبة الحساب ذو المليوني متابع هي الأشهر حتى الآن، أما في دولة الكويت فالأمر لا يعدو أن يكون طبيعيا، إذ يحتل "الانستجرام" شهرة كبيرة قبل أي برنامج آخر، والحسابات كثيرة ومتعددة وتعتمد على ذات النسيج في التبادل التجاري، لذا فلا تستغرب حينما تجد حسابات لشخصيات من العامة، استطاعت أن تحصد نصف مليون متابع، إما بسبب ذكاء صاحب الحساب في اختيار الصور المثيرة للجدل، أو قدرة البعض على التواصل مع المتابعين، فيما راجت بعد ذلك الحسابات النسوية، التي اعتمدت على تقديم الخلطات والوصفات الشعبية لتطويل الشعر وتبييض الركب، وراح البعض يفتتح حسابات فقط للسخرية من صور المشاهير من الفنانين، على اعتبار أن ما يقومون به يندرج تحت باب النقد اللاذع، مثل هذه الحسابات المبتذلة أو الهادفة، لا تتحسس فكريا أو حتى معنويا حينما تجدها تأتي برعاية أشهر المقاهي أو المحلات التي تتفنن ببيع الشوكلا و"الكب كيك" أو ملابس الأطفال. والسؤال الذي يطرح نفسه أمامنا: هل من الممكن مستقبلا أن تسحب مثل هذه الحسابات في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي البساطَ من تحت أقدام القنوات التي تحتكر الإعلانات منذ أمد طويل؟ إذ تفوق الجمهور العادي، على كبريات شركات الإعلانات، وأصبح من الممكن جدا أن يحل مكان الصحف والتلفزيون والإذاعة والمعلنين في الشوارع العامة. لهذا، يتوجب على المتمرسين في سوق الإعلانات الانتباه إلى الانقلاب الذي لم يحسب لهُ حساب، ففي السابق كنا نجد المعلنين يتهافتون على كبار الفنانين والفنانات، إلى جانب أشهر وجوه عارضي وعارضات الأزياء، من أجل التسويق لبضاعتهم، أما الآن فالسوق الخليجي والعربي يقول لك، حتى تستطيع أن تبيع بضاعتك بشكل جيد، عليك أن تختار معلنا من عامة الشعب، لكن يتوجب على هذا المعلن أن يكون قريبا من الجمهور، وأن يكون ذا مصداقية عالية، إلى جانب امتلاكه عددا كبيرا من المتابعين. هذه هي صيغة السياسة الجديدة في تصدير المنتج الحالي، وهذا ما تقوله الحسابات، وما يكتبه المتابعون من تعليقات تدلل على مدى استخدامهم للمنتج.