* الحقيقة الثابتة والمؤكدة أن المصالحة العربية فضلاً عن المصالحة الداخلية في كل قُطر لم تعد ترفاً أو اختياراً فالبديل جاهز ومستعد! والحقيقة الأكثر وضوحاً وثبوتاً أن المصلحة تقتضي المصالحة بالمفهوم المادي العملي المحسوس، حتى وإن تنازل طرف وتسامح آخر فالبديل الآخر أفظع مما يتصوره العقل! ويخطئ من يظن أن هزيمة "داعش" أو ردعه أو لجمه أو حتى القضاء عليه يمكن أن تحل الأزمة أو قل الورطة التي وجدنا أنفسنا فيها، فقبل "داعش" كان الحال في العراق مؤلماً، وفي سوريا مأساوياً، وفي اليمن مؤسفاً وفي مصر مضطرباً، وفي لبنان مزعجاً، وفي الصومال فظيعاً! وبعد "داعش" أي بعد شهور أو سنوات حسبما ووقتما يصدر القرار من صاحب القرار سيكون الوضع أكثر "ألماً" و"مأساوية" و"أسفاً" و"اضطراباً" و"إزعاجاً" و"فظاعة"! وحتى لا ننسى فقبل مجيء "داعش" وخلال الشهور والسنوات القليلة الماضية، كانت الأمة تنزف دماً في مدنها وقراها وجبالها، وميادينها، وشوارعها! وبعده -بعد مجيء داعش- توقف النزيف في جهة وازداد في جهات أخرى أكثر من أن تُعد.. فماذا بعد خموده أو انقشاعه أو لجمه أو ردعه أو ترويضه؟! هذا هو السؤال!! أخشى أن تستيقظ الأمة بعد "داعش" على حرب أهلية داخلية في كل دولة على حدة! ومع الفارق الكبير والخطير والاحترام التام لكل الثورات التي كونت الربيع الذي تحول إلى حريق عربي فقد أخرجت كل ثورة أسوأ ما في المكان والزمان! هذا عن الثورات الشعبية بكل طهرها وفحشها أيضاً -حتى لا يغضب البعض- فماذا عما سننتظره أو نكتشفه تحت أنقاض "داعش"؟! هذا سؤال ثانٍ لا يقل أهمية عن الأول وإن كان مكملاً له! وقبل أن نجيب أو نحاول الإجابة لا ينبغي أن نغفل مسميات باتت ظاهرة للعيان.. كالمليشيات الشيعية المسلحة، والمليشيات السنية التي يراد تسليحها، والجيش الحر في أكثر من دولة والدولة ذات حكومتين، وتلك التي تبحث أو تعاني في التصريح باسم رئيس، وهذه التي لها ثلاثة أعلام، ناهيك عن تدخل إيران! في ضوء ذلك، أعود للمصالحة فأقول إنها وللأسف الشديد ليست النهاية للورطة العربية الحالية، بل هي البداية! إنها مجرد بداية بديهية أو قل حتمية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتجهيز ما يمكن تجهيزه ليس لـ"داعش" وإنما لما بعده من مفاجآت ،الله وحده يعلم بمدى خطورتها! انظر لأفغانستان ما بعد المليشيات، بل ما بعد حكمتيار ومسعود شاه وسياف ودوستم والهزارة! الأمر أكثر خطورة ولا أقول مصطلحاً آخر لزوم السجع! وانظر لعراق ما بعد الغزو أو قل ما بعد الجلاء! لقد ظهر الأمر المستفحل بجلاء! لن أقول لك انظر إلى الصومال بعد سياد بري ولا إلى السودان بعد الانقسام ولا إلى اليمن بعد مجيء الحوثيين، ولا إلى سوريا ولبنان زمان.. انظر الآن لتتأكد من حقيقة أن ما هو قادم أخطر وأفظع! إنها باختصار "خطة ما بعد داعش" للتعامل مع العرب والتصرف مع العرب! ولأنها الحد الأدنى أو الخطوة الأولى فلا يصح التلكؤ ولا يجوز التمنع، حيث لا وقت للمظهرة ولا المنظرة ولا اعتبارها تنازلاً أو تسامحاً، دائماً هي ضرورة وحق للأجيال التي لا ذنب لها في أي عبث. المصالحة قبل "داعش" كانت مهمة، وأثناء "داعش" أهم، وبُعيد "داعش" أهم وأهم ليس لأنها النهاية وإنما لأنها البداية.. بداية مشوار طويل مع الإصلاح الداخلي وتحديد بوصلة التعاون الخارجي.. وما لم يتم ذلك وبسرعة سيشهد العام الجديد 2015م ظهور خرائط جديدة للعالم الذي كان عربياً ويتخلى عن عروبته، وكان إسلامياً ويسيء لإسلاميته. sherif.kandil@al-madina.com