الوحيد الذي لا يتوقف هو الزمن، وغداً تُطوى صفحة عام مضى مليئة سطورها بالأحداث والمآسي.. والعظات والدروس، وبعد غدٍ يبدأ عام ميلادي جديد، وبدايته لا تعني زيادة رقم واحد على التاريخ، إنها تعني للإنسانية أشياء كثيرة، وبالنسبة لليمنيين تعني أن تحدياً وحيداً وصارخاً لم يزل يواجههم في أن (يكونوا) أو (لا يكونوا)، يفرض عليهم توحيد جهودهم وطاقاتهم وتوجيهها نحو الخير، والابتعاد عن نزعات الشر والحقد والكراهية، وأن يعملوا جميعاً لبناء وطن آمن ومستقر، في ظل دولة مدنية حديثة تقوم على أساس العدل والمساواة ومبادئ الحرية والديمقراطية وسيادة النظام والقانون، بعيداً عن التجاذبات والصراعات التي لا تثمر سوى المزيد من الدمار في النفوس وفي القيم، وتؤدي إلى الفوضى والانفلات والشتات والتمزق. عام جديد.. يأمل كل مواطن يمني أن يتخلص خلاله من اليأس والخوف، وأن يعيش في وطن خالٍ من التناحر والقتل والاغتيالات والإرهاب والعنف والعنف المضاد، تسوده قيم المحبة والإخاء والتسامح، وطن لا تتنازعه الأهواء والمطامع وقوى النفوذ والتسلط والهيمنة التي ظلت تعبث بمقدراته وتتاجر بالآم أبنائه وأوجاعهم لتحقيق المزيد من الثروة والجاه والنفوذ. وطن.. تُقتلع منه كل شوكة توخز قدم طفل، وتُجتث من فوق أرضه كل نبتة تثمر شراً وحقداً وضغينة. وطن.. تُغرس فيه بذور المحبة والتسامح والإخاء، وتُروى بمشاعر الانتماء والالتزام، والتمسك بالثوابت؛ لتكون أكثر أخضراراً وزهواً. وطن.. تعلو فيه الابتسامة على وجه كل طفل وشاب وشيخ.. وكل رجل وامرأة، يشدو فيه الأطفال بسعادة وفرح، يحلمون بالمستقبل السعيد الذي يحقق تطلعاتهم البريئة والصادقة. وطن.. ينقشع من على كاهل أبنائه شبح الفقر والمعاناة والهوان، وتظلله غيمة الخير والرخاء. وطن.. يكفل لليمنيين حقوقهم المدنية والاجتماعية والسياسية ويصون حرياتهم الخاصة والعامة. وطن.. يتوفر فيه التعليم الحقيقي للجميع، والرعاية الصحية والعلاجية لكل محتاج دون عناء. وطن.. يستطيع أي مواطن فيه أن يتنقل في أرجائه بحرية وأمن وأمان، وبعيداً عن مشاعر الخوف من قاطع طريق، أو لصٍ مفترس أو إرهابي باع نفسه للشيطان، أو متأبط شراً بالوطن وبالآخرين من البشر.. أو من حزام ناسف يحمله حاقد على نفسه وعلى الآخرين، أو سيارة فخخها إرهابيون متوحشون. وطن.. يحفظ كرامة أبنائه، ويخفف معاناتهم.. ويهتم بقضايا من ألجأتهم الظروف إلى الغربة عن وطنهم للبحث عن لقمة عيش كريمة لهم ولأسرهم. وطن.. تتوسع فيه الرقعة الزراعية، وترتفع فيه مداخن المصانع وتعلو فيه رافعات البناء، ويكون هدير آلات ومعدات التنقيب عن الثروات واستثمارها، وآلات شق الطرق، وسفن وقوارب الصيد، هو الصوت المرتفع والمفرح والباعث على السعادة، والذي سيسكت كل أصوات المدافع والرشاشات والبنادق والدبابات، ليحل محلها صوت الأمل والعمل.. صوت السلام والوئام.. صوت التعاضد والتكاتف ووحدة القلوب والمشاعر؛ لتعزف كل تلك الأصوات سيمفونية العمل والانتاج والخير والسلام والأمن والأمان.. حلم جميل.. أن يكون العام الجديد بداية لغروب زمن الفوضى والعبث وعدم المبالاة.. زمن الإرهاب والعنف والخوف والقلق واليتم، وتتلاشى فيه الآلام والأوجاع التي ظلت مسكونة في نفوس اليمنيين قروناً طويلة والتي قضّت مضاجعهم، وفتكت بهم وبآمالهم. وحلم جميل.. أن تُحفظ دموع المحرومين والمكلومين والمفجوعين والمرعوبين في المآقي، وإن انسابت فلتكن دموع الفرح.