دفعني فضول الطفولة إلى سؤال والدي -رحمه الله- عن سبب تغير مذاق وجبة الرز عن المعتاد اليومي في منزلنا؛ فسرد لي قصة الحصول على مجرد كيس واحد من الرز إثر شحه في الأسواق ولجوء الحكومة لبيعه من خلال بلدية الأحساء والتأشير في دفتر «التابعية» لضمان توزيعه على أكبر عدد من المواطنين؛ ربما كان ذلك الشح بسبب أزمة عالمية أو ضعف قدرات التخزين هنا أو شح ذات اليد لدى الغالبية، فأكلنا رز البنادق بدلاً من الرز المعتاد؛ وللقصة في مضمونها تبعات يجدر بجيل اليوم أن يتعرف على تفاصيلها حيث الحديث عن بعض العجز في الميزانية العامة للدولة وما قد يصاحبها من تقشف أو تراجع في بعض المعطيات الاقتصادية؛ فقد عايش الناس هنا ظروفا أشد كما مرت البلاد بأزمات متنوعة كانت تخرج منها بسلام بفضل الله أولاً ثم القيادة الحكيمة التي تعمل جاهدة لتوفير العيش الكريم لعموم المواطنين ومنع تفاقم الأزمات والظروف التي تصل بهم حد الحاجة القصوى أو الوقوف في الطوابير للحصول على حاجاتهم الغذائية بتلك الطريقة المزعجة وهي ولله الحمد مجرد ذكريات الآن؛ فالأسواق عامرة والخير عام والقوة الشرائية في البلاد تحافظ على مستوياتها المتميزة بين الكثير من الشعوب، أيضاً أتذكر ونحن على مقاعد الدراسة الجامعية في منتصف الثمانينات من القرن الميلادي الماضي كيف كانت ميزانية الدولة تؤجل ويتم العمل بالأرقام القياسية للسنة السابقة؛ كان حمد السياري محافظاً لمؤسسة النقد السعودي وكان أستاذنا في الاقتصاد محمد عثمان يبرر تلك الظروف ويبسطها لنا باعتبارها فرصة للتعرف العلمي على منحنيات الاقتصاد ومعطياته صعوداً ونزولاً وارتباطها بتذبذب أسعار النفط المورد الرئيسي لدخل البلاد والتي وصلت في العام 1986م إلى ما دون الـ 10 دولارات للبرميل بسبب وفرة المعروض؛ فمعايشة تلك الفترة بما فيها من تقشف شديد وقلة فرص العمل وتحجيم الإنفاق على التنمية والخدمات صنع الثقة في الاقتصاد المحلي لمواجهة تكرار تلك الأزمات، وما إعلان ميزانيتنا الحالية 2015 في ظروف سعرية متراجعة للنفط وتلك التصريحات التي يطلقها وزير النفط وزميله وزير المالية لطمأنة العموم بتحوط الدولة وتدابيرها في مثل تلك الأزمات إلا تأكيد على متانة الاقتصاد السعودي رغم أن أرقام الميزانية حسب المعلن عنه تعتبر قياسية ووفيرة فعلاً لاستمرار الإنفاق الضخم على التنمية والقدرة الاحتياطية والائتمانية الكبيرة للمملكة على سد العجز وتلافي حدوث أي مضاعفات، فمن استقراء حجم الميزانية وقراءة بياناتها وما فيها من الحرص على توسيع تنوع المصادر وتنمية هذا الجانب لهو تأكيد على المضي نحو اقتصاد فاعل ومنتج، كما أن ظروف أسعار النفط والحرص على مستويات الدخول الفردية تدعو إلى فتح ملفات الدعم الحكومي للسلع الرئيسية والمحروقات وضرورة توجيه هذا الدعم مباشرة للمستحقين حتى لا تكون خيرات البلاد متاحة للجميع دون أن تذهب مخصصات الدعم لمحتاجيها مباشرة وهناك مناداة واسعة من المختصين لصياغة حزم الدعم للتوافق مع متطلبات الاستدامة والحفاظ على ثروات الوطن وخيراته؛ فزمن مخصصات الرز ومذاقه المتغير قد ولى سوى أن المنهجية الاقتصادية تتطلب إعادة النظر في الكثير من مجالات الدعم وسبل توجيهه.