يبدو العام 2014 عاماً عنوانه الاستقرار في مصر، فالنظام السياسي قد استقر منحازاً إلى جانب القوى الشعبية، ما يُشير إلى عودة الأمور مرة أخرى في البلاد إلى مجرياتها، وقد يفسر ذلك الارتفاع الطفيف في عدد الأفلام السينمائية التي تم إنتاجها في عام 2014، والتي تقدر بنحو 39 فيلماً هذا العام مقابل 29 فيلماً عام 2013، بزيادة تُقدر بنحو الثلث. لكن الزيادة العددية لا تُشير إلى تطور ملحوظ أو حركة مغايرة في العملية الإنتاجية، فالتجارب المختلفة لاتزال محدودة ولا يمكن مقارنة إيراداتها بما يسود سوق العرض السينمائي. غير ان هذا لا يمنع من القول انه خلال العام المنقضي ظهر عدد من الشرائط السينمائي اللافتة. من خان الى المستقلين دأب المخرج محمد خان على خوض التجارب الجديدة والانحياز للمختلف مستكملاً طريقه في سينما ذات مذاق خاص، حيث لم يكن جديداً عليه خوض تجربة سينمائية مغايرة ومرة أخرى يخوض تجربة مع منتج يخوض سوق الإنتاج السينمائي للمرة الأولى فيتعاون مع محمد سمير عبر شركته Day Dream حيث الموازنة المحدودة والاعتماد على مشاركة مؤسسات مانحة، وإنما في أُطر من الحفاظ على إنتاج فيلم يعادل بين المحتوى والصورة والجماهيرية. حقق «فتاة المصنع» نجاحاً نقدياً وجماهيرياً رغم أن شباك الإيرادات لم يعادل هذا النجاح بالقدر الكافي إلا أن عام 2014 لم يبرح من دون أن يزيد محصول جوائز «فتاة المصنع» بجوائز جديدة منها أحسن فيلم، وأحسن إخراج وأحسن سيناريو، التي مُنحت للفيلم في المهرجان القومي للسينما المصرية والذي اختتم دورته في الحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) 2014. وأتى فيلم «فيلا 69» تجربة أخرى مختلفة لأيتن أمين ابنة السينما المستقلة، التي قدّمت هنا فيلمها الطويل الأول، من إنتاج «فيلم كلينك» و»ميدل ويست». لكن الفيلم الذي يميل في صورته وطرحه إلى أفلام السينما المستقلة والأفلام القصيرة، لم تشد من أزره الإيرادات التي لم تتجاوز حيز النصف مليون جنيه وفق ما جاء في موقع «السينم.كوم» وإنما مُنحت أيتن أمين جائزة أفضل عمل أول، كما حصل خالد أبو النجا على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم، وقد مُنحا الجائزتين من المهرجان القومي للسينما. وفي فيلمه الجديد «ديكور»، يواصل أحمد عبدالله مشروعه السينمائي بقوة وبأثر واضح، حيث يأتي هذا الفيلم كمعزوفة سينمائية خالصة، حيث يختلط الواقع بالحلم، يصبح الحد الفاصل بين الخيال والحقيقة محض تصورات تتعلق برؤية الفرد لعالمه. لم يُعرض الفيلم بعد للجمهور، ولكن حظي عرضه الأول عبر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة والثلاثين، بردود فعل إيجابية اعتبرت سيناريو لمحمد دياب وشيرين دياب متميزاً إلى حد كبير، وإن الانتقال بين الأحداث يتم بسلاسة مُدهشة، كما اتسمت الصورة بجودة عالية، حرص عبدالله أن يكون الفيلم بالأبيض والأسود لتظهر الألوان فقط في مشهد أخير، الفيلم يمثل رافداً جديداً لذائقة سينمائية مختلفة عن السائد. سينما الأحداث الجارية تشهد الساحة المصرية في السنوات الثلاث الماضية ومنذ اندلاع ثورة 25 من كانون الثاني (يناير)2011، زخماً من الأحداث والتغيرات الاجتماعية والسياسية كبيراً جداً. وهذا ما شكل مادة لعدد من الأفلام السينمائية، ففي 2014 تم إنتاج فيلمين ينطلقان من هذه الأحداث منهما فيلم «سالم أبو أخته» لمحمد رجب وأيتن عامر وحورية فرغلي، الذي يتناول شخصية أحد الباعة الجائلين وما يتعرض له بعد أحداث ثورة يناير، ثم مواقف الشرطة وتحوّله إلى البلطجة. وقد حرص منتجو الفيلم على دمج عناصر النجاح الجماهيري في ما يُعرف بخلطة السبكي، تلك المكوّنات التي سادت في السنين العشر الأخيرة عبر أفلام شركة إنتاج السبكي، بتقديم شخصية من الطبقات الدونية. كما يحتوي الفيلم على رقصة لصافيناز (ظهرت في العامين الأخيرين) وأغنية شعبية، وعدد لا بأس به من المشاجرات كما تحدث في المناطق الشعبية، ومرة أخرى تحقق الخلطة المرجو منها ويحقق الفيلم إيرادات تتجاوز الثمانية ملايين جنيه، ويكون من المنافسين في سوق الإنتاج السينمائي. في حين يخرج من المنافسة الفيلم الثاني «المعدية» رغم أنه يتناول الصراع على منطقة جزيرة الدهب، الذي شغل الرأي العام لفترة ليست قصيرة وانحاز مثقفو وفنانو مصر لسكان الجزيرة في صراعهم، لكن لم يتجاوز في إيراداته الربع مليون جنيه وسرعان ما عرضته الشاشات الفضائية. الضحك والطفولة ليست المرة الأولى التي يتم فيها استغلال الممثل سامح حسين وعلاقته بالأطفال في مشروع فيلم يصلح ليشاهده كل أفراد العائلة حيث جاء فيلم «جيران السعد»، حافلاً بمفارقات تحدث بين سامح حسين وعدد من الأطفال في سيناريو وحوار قائمين على عدد من المفارقات والافيهات التلفزيونية والسينمائية. أما سينما «الإفيه»، فهي الطريق الذي سارت عليه أفلام أخرى تتحرى الضحك، فجاء فيلم «واحد صعيدي» لمحمد رمضان معتمداً على الإفيهات المتداولة، وما يُعرف باسم (الألش) ساعياً لاستغلال الفكرة السائدة عن الصعيدي الساذج في القاهرة، وقد سعى رمضان الى أن يتلبس روح أحمد زكي في فيلم «أربعة في مهمة رسمية»، محاولاً تغيير جلده بعد شخصية البلطجي التي قدّمها في أكثر من فيلم في الأعوام السابقة، ومن المُلاحظ أن الفيلم قد حقّق نجاحاً جماهيرياً وذلك استقراء لأرقام الإيرادات التي تجاوزت الأربعة عشر مليون جنيه. وفي «مراتي وزوجتي» يستمر رامز جلال في الحفاظ على نصيبه في سوق الإنتاج السينمائي، رغم أنه كفنان لا يتطور، وأصبح أداؤه لا يختلف من عمل إلى الآخر. إلا أن الفيلم حقق إيرادات تجاوزت السبعة ملايين جنيه مصري. وفي «جوازة ميري» كذلك فعلت ياسمين عبدالعزيز التي نجحت في أداء الأدوار الكوميدية منذ فترة، وحرصت على يتصدر اسمها فيلماً في كل عام. وهذا العام جاء فيلمها «جوازة ميري» الذي تسعي في قصته للبحث عن عريس حتى تجد اثنين يعترفان لها بحبهما. ويقدم السيناريو بعض المفارقات التي تصنع الكوميديا. لكن تبقى ياسمين على طريقتها نفسها من دون أي تغيير أو تطوير، فلا يرى المشاهد تغييراً في الأداء أو حتى القصص التي تبدو متقاربة. وبالتالي ينجح الفيلم في جذب العائلات التي ترغب في فيلم ضاحك ويصلح لاصطحاب الأطفال خلال عرضه، محققاً الإثني عشر مليون جنيه إيرادات. ومجدداً يحقّق الثلاثي شيكو وأحمد فهمي وماجد نجاحاً ملحوظاً عبر فيلمهم «الحرب العالمية الثالثة» متجاوزين حاجز الثلاثين مليون جنيه في إيراداتهم، ومنافسين بقوة في سوق الإيرادات. وفي المقابل حجز المنتج المثير للجدل محمد السبكي نصيبه في سوق الإنتاج السينمائي من خلال فيلم «حلاوة روح» من بطولة هيفاء وهبي وإخراج سماح عبدالعزيز، الفيلم الذي اعتنى بالصورة في شكل مبالغ فيه ليبدو ككليب غنائي طويل، محتفياً بأنوثة هيفاء وهبي. وكان من المتوقع أن يحقق الفيلم نجاحاً كبيراً بخاصة بعد الحشد له، لكن منع الفيلم من العرض خيّب آمال منتجه، ثم سرعان ما تمّت قرصنة الفيلم ليصبح متاحاً عبر المنتديات، كما عرضته بعض الشاشات الفضائية التي لا تلتزم حقوق الملكية الفكرية. أما على عرش إيرادات عام 2014 فتربّع فيلم «الجزيرة 2» لأحمد السقا وهو الجزء الثاني من فيلم «الجزيرة» الذي عرض قبل سنوات، وفي هذا الفيلم يتناول الموضوع المتغيرات التي حدثت بعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، محافظاً على بنية العمل في الجزء الأول مع مزيد من المعارك المتقنة، وتأكيد منطق القوة الذي يعود به منصور الحنفي (أحمد السقا). ومرة أخرى تعود السينما للاعتماد على عمل أدبي عبر فيلم «الفيل الأزرق» المأخوذ عن رواية بنفس الاسم لأحمد مراد، مستمدًا من نجاح الرواية وشهرتها جزءاً كبيراً من شهرته. ومن الملاحظ أن الفيلم قد أعدّ بإتقان شديد على مستوى الصورة وأداء كريم عبدالعزيز (يحيى راشد) الطبيب النفسي، وخالد الصاوي (شريف)، ليحقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً لافتاً. ولم يمضِ العام من دون أن يترك أحمد حلمي بصمته من خلال فيلم «صنع في مصر» الذي حظي بآراء متناقضة جماهيرياً ونقدياً، ففيما رأى بعضهم أن الفيلم لا يقدم جديدًا، معتبرينه فيلماً يليق بالأطفال، وجد بعضهم فيه ضالتهم كفيلم يمكن اصطحاب الأطفال لمشاهدته. وفي اختصار، أخيراً يكاد العام 2014 يرحل وبعد ان كان حافلاً بالأحداث، من رحيل نجوم سينما، وصعود آخرين، جوائز متعددة ودورة ناجحة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، بعد غياب عامين وعدد آخر من المهرجانات، لكن تظل عجلة الإنتاج السينمائي رغم تصارعها أقل دوراناً مما يأمل السينمائيون الذين يعتبرون العام عاماً انتقالياً واعداً حتى وإن كان عدد الجديد واللافت قليلاً، حيث لا يزال هناك تخوف كامن وإن لم يعلنه أحد.