قد يكون تقدير قيمة شركة «أوبر» لسيارات الأجرة العامة، بـ41 مليار دولار، مبالغا فيه وقد لا يكون كذلك، لكنه بالتأكيد يوضح الوضع السيئ لمجال تمويل الشركات الناشئة. لفهم الأمر، أنت بحاجة فقط إلى الاطلاع على التقديرات المذهلة للشركات الأخرى التي تلقت تمويلا لمشروع ناشئ على مدى الأسابيع القليلة الماضية. وفيما يلي بعض تلك التقديرات. - جمعت «إنستاكارت»، لخدمات توصيل البقالة في اليوم نفسه، التي توجد في سان فرانسيسكو، 100 مليون دولار، مما جعل قيمتها ملياري دولار. - وحصلت شركة «ويوورك كامبنيز»، التي تقدم مساحة عمل مشتركة، على تمويل قدره 355 مليون دولار جعل قيمتها 5 مليارات دولار. - وحصلت شركة «ستريب» للدفع عن طريق الإنترنت على استثمار قدره 70 مليون دولار جعلت قيمتها 3.5 مليار دولار، أي ضعف قيمتها في بداية العام الحالي، حيث كانت تقدر بـ1.75 مليار دولار. - وأعلنت شركة «كابام»، المنتجة لألعاب الهواتف الجوالة، أن موظفيها والمستثمرين فيها كانوا يبيعون أسهما قيمتها 40 مليون دولار إلى مجموعة من المستثمرين. وبعد جولة لجذب الاستثمار خلال الصيف الماضي، زادت قيمة الشركة على مليار دولار بعد أن كانت 700 مليون دولار خلال العام الماضي. ما الذي يجمع بين تلك الشركات الأربع أكثر من كونك لم تسمع بها من قبل؟ في البداية، منذ عدة سنوات، لم تكن تلك الشركات موجودة، بينما تزيد قيمتها حاليا على المليار دولار. وهم يقدمون مثالا على كيفية ارتفاع التقييمات في وادي سيلكون، حيث ارتفعت أسهم الشركات الناشئة على نحو غير مبرر. وتجاوز هذا التوجه الأسماء المعروفة مثل «أوبر» و«سنابتشات». ولا يتعلق الأمر بعمل تقييمات متشائمة، لكن قيمة الشركات تنطلق من الصفر وتصل إلى مليار دولار على نحو أسرع من أي وقت مضى رغم الافتقار إلى العائدات وربما إلى خطة سوق. وفي ظل هذه الحمى، يتم إعادة تدوير الأفكار، التي كان يتم تجاهلها باعتبارها فاشلة، على شكل شركات ناشئة تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات. يذكر أن شركة خدمة توصيل البقالة ليست بالفكرة الجديدة، فقد كان موقعا «كوزمو» و«ويبفان» يقدمان خدمة توصيل في اليوم نفسه، لكنهما انهارا خلال فترة انفجار فقاعة مواقع الإنترنت وخسرتا مئات الملايين من الدولارات. مع ذلك، تتجه قيمة شركة «إنستاكارت» التي تقدم خدمتها في 15 منطقة فقط، إلى المليارات. وتجاوزت التقييمات المرتفعة الأفكار القديمة والجديدة التي تهدف إلى أن تصبح «أوبر»، ولكن في مجال المساحات الإدارية أو التنظيف الجاف. خلال الأسابيع القليلة الماضية، أنهت شركة «فوكس ميديا» الناشئة في مجال الإنترنت جولة تمويل جعلت قيمتها 380 مليون دولار، أي أكثر بـ130 مليون دولار من قيمة ما دفعه جيف بيزوس مقابل صحيفة «واشنطن بوست»، في حين جمعت «تشينج دوت أورغ» لخدمات الإنترنت 25 مليون دولار في تقييم غير معلن من عدد من المستثمرين، كان من بينهم بيل غيتس أحد مؤسسي شركة «مايكروسوفت»، وجيري يانغ أحد مؤسسي «ياهو»، وإيفان ويليامز أحد مؤسسي موقع «تويتر»، فضلا عن آخرين. وحين تستطيع الشركات الإعلامية الناشئة الحصول على الملايين لمجرد أنها ناشئة، ولا تستطيع الشركات القديمة التي تعاني من أجل البقاء ذلك، فاعلم أن الزبد بدأ بالانتشار. من السهل استبعاد ذلك باعتباره فقاعة أخرى يطلقها مسؤولون تنفيذيون في وادي سيلكون. هؤلاء المسؤولون يعيشون في فقاعتهم، ويدفعون أسعار المساكن في باي إريا نحو الارتفاع بثروتهم التي وجدوها حديثا، والظن أنهم قادرون على تغيير العالم إذا نحن فقط أصغينا إليهم. مع ذلك، ما يحدث مختلف قليلا عن ذلك. خذ «أوبر» على سبيل المثال؛ ما من شك في أن قيمة الشركة قد ارتفعت بشكل كبير، فقد وصلت في أقل من 5 أعوام إلى 41 مليار دولار. ومنذ نحو 6 أشهر، قدرها مستثمرون بـ18 مليار دولار. ويأتي هذا التقييم رغم أن عائدات مجال السيارات الأجرة في الولايات المتحدة لا تزيد على 11 مليار دولار سنويا. وتم منع خدمة «أوبر» في بعض البلاد مثل إسبانيا وتعاني مؤخرا مشكلة في علاقتها العامة ويعد عملها في جوهره سلعة يمكن لأي شخص محاكاتها. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فالسيارات الأجرة تواجه من خلال إنشاء خدماتها الخاصة، وهناك منافسون أقوياء مثل «ليفت». في ظل كل هذه المشكلات، الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تجعل تقييم «أوبر» ينجح، هو الرهان على قدرة الشركة على جذب المزيد من الناس نحو ركوب السيارات الأجرة والتوسع من خلال تقديم خدمة التوصيل العامة، بل حتى استبدال السيارات. مع ذلك، هذا الرهان يفترض أن «أوبر» شركة قوية تتمتع بقدرة تنافسية كبيرة، وأن الشركات الكبرى والأسرع نموا هي فقط التي ستصمد. واستخدم بيل غيرلي، أحد الشركاء في «بينشمارك كابيتال»، إحدى الجهات المستثمرة في «أوبر»، هذه الحجة لتبرير التقييم الكبير. بعبارة أخرى، ستغير «أوبر» طريقة حصولنا على السيارات الأجرة، وكذا كيفية انتقال الناس ونقل الأشياء من مكان إلى آخر. دفعت هذه الافتراضات الهائلة أسواث داموداران، الشخصية البارزة في تقييم التكنولوجيا وأستاذ المالية في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك، إلى النظر في تقييم «أوبر» الضخم. استنادا إلى مدى استحواذ «أوبر» على السوق، قدر داموداران قيمة «أوبر» بما يتراوح بين 799 مليون دولار إلى 90.5 مليار دولار، ثم توقف وطلب من قراء مدونته التوصل إلى تقدير أكثر تحديدا. من الواضح أن «أوبر» تغير طريقة استخدام الناس السيارات الأجرة وأنها ستجني مئات الملايين من الدولارات - إن لم يكن مليارات الدولارات - إذا لم تنهر من الداخل بسبب الإدارة بالأساس. مع ذلك، كان تقييم «أوبر» مرتفعا بشكل غير مبرر. وتم تحديد قيمتها على أساس رهان كبير على حصتها الافتراضية من السوق فيما يشبه التقييمات التقريبية غير الدقيقة القديمة التي استخدمت في تبرير دفع شركة «ياهو» مليارات الدولارات لشراء «جيوسيتيز» و«برودكاست دوت كوم» اللذين لم يحققا نجاحا. لا يعني هذا أن الذين يستثمرون في المشروعات الناشئة مخطئون، فقد تغير شركة «أوبر» من استراتيجيتها وخطتها. وكذلك يدفع سعي «غوغل» و«فيسبوك» وغيرها وراء الشركات الناشئة باتجاه رفع التقييمات. وكل هذا يؤدي إلى افتراضات عنيفة في تقييم الأعمال الناشئة التي تقوم على أفكار جيدة. وقد يكون عدد تلك الشركات صغيرا، لكنها تزيد جنون التقييمات. مع ذلك، توضح حمى التقييمات التي تقدر بمليارات الدولارات على مدى الأسابيع القليلة الماضية أن هناك أمورا أخرى تحدث. وهنا بالتحديد، يظهر تمويل المشروعات الناشئة المريع. خلال الخمسة أعوام الماضية أي حتى عام 2013، بحسب «كمبردج أسوسيتس»، سجلت عائدات رأسمال المشروعات الناشئة 5.4 في المائة على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، بزيادة 12.5 في المائة سنويا مقابل 17.9 في المائة على المؤشر نفسه. وتبع رأسمال المشروعات الناشئة شركات الأسهم الخاصة بشكل أكبر، ولم ينجح في تغطية فترة العشر سنوات التي لا يسمح فيها بتداول الأسهم، والرسوم الأخرى التي على المستثمرين في تمويل المشروعات الناشئة الموافقة عليها. في هذا العالم، نحو 10 في المائة فقط من الشركات الممولة للشركات الناشئة، ممن يمثلون النخبة، هم الناجحون؛ ومن بينهم «أندريسين هورويتز» و«إكسيل بارتنرز»، في حين تجد «كلينر بيركينز» صعوبة في الصمود. مع ذلك، تحاول كل شركة ممولة للمشروعات الناشئة الصمود وعدم الخروج من اللعبة. والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هو قيادة القطيع والأمل في الحصول على «فيسبوك» جديد. أكثر من 40 في المائة من حجم الاستثمار في رأسمال المشروعات الناشئة حتى هذه اللحظة في برامج الكومبيوتر خاصة التطبيقات، وذلك بحسب الهيئة القومية لرأسمال الشركات الناشئة. ويندفع ممولو الشركات الناشئة نحو الجديد الذي يصادف أن أكثره تطبيقات ونسخ أقل جودة من شركة أوبر. في هذه السوق، تكون التقييمات الجنونية هي فقط ثمن البقاء بالنسبة إلى الشركات الناشئة، فبهذه الطريقة يمكن لخدمة بقالة على الإنترنت مثل «إنستاكارت» أو «ويوورك» الوصول إلى تقييمات بمليارات الدولارات. قد تكون لدى تلك الشركات أفكار مثمرة، وحتى إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون النتيجة هي موقع «فيسبوك» جديد. الأمر المرجح أكثر هو أن الجميع يبالغون في تقدير حصة السوق ودفع الافتراضات من أجل الحصول على ميزة الاستثمار. إلى أين يقودنا هذا؟ يعني هذا أنه قد ينتهي الحال بشركة أوبر إلى الوصول لمستوى التقييم الضخم، لكن من المؤكد أن قلة محظوظة في وادي سيلكون فقط هي التي ستجني مليارات الدولارات. مع ذلك، يتم تطبيق الفكرة التي تقوم عليها شركة أوبر على نطاق واسع. ومن المستحيل أن تنجح كل أو أغلب تلك الشركات. ومع فشل تلك الشركات، ستنهار بعض الشركات الممولة للمشروعات الناشئة باستثناء القلة المحظوظة التي تمسك بالفعل بنجم بازغ. * خدمة «نيويورك تايمز»