ليس الإقبال على بذل الغالي والنفيس «لتحسين» القوام وإبراز جمال تقاسيم الوجه والجسم، طارئاً وجديداً، وما يقبل عليه الأشخاص في سبيل ذلك ملفت ويبعث على الدهشة والتعجب، سواء كانت الإجراءات التجميلية معاصرة أو تعود الى عصور مضت، والـ»كورسيه» (مشد الخصر القاسي القماش) هو خير مثال. ولم يتستر الأديب مونتاين على استهجانه ارتداء النساء المشد، وعجزه عن فهم دواعيهن إلى ذلك، فتساءل كيف يسعهن تحمل الأقمشة القاسية والصلبة وروابطها الحديدية التي تسلخ الجلد وتخلّف جراحاً فيه. واحتج الجراح أمبرواز باري (1510-1590) على مواصلة عدد من النساء ارتداء المشد في مرحلة الحمل وإجهاضهن بسببه، بذريعة الحفاظ على القوام. وعلى رغم أن المشد مؤلم ومقيِّد لحركة صاحبته ويرزح على أنفاسها، واصلت النساء لبسه إلى مطلع القرن العشرين، ثم تربع المشد اللين القماش محله. ولم تتوان النساء في كل العصور عن بلع أشياء رهيبة من اجل خسارة الوزن و «التخسيس»، منها الأسيد ومسحوق «الطلق» المعدني. ولم يُستثنَ الوجه من مثل هذه الممارسات، وخصوصاً في القرن السادس عشر، فحينها سادت موضة الوجه الأبيض، ودرجت النساء على وضع مساحيق مدمرة على وجوههن، من الإسبيداج (مسحوق تجميل من الرصاص)، مروراً بالجص، ووصولاً إلى الزئبق. وروت المحظية الذائعة الصيت فيرونيكا فرانكو، إثر عودتها من سفر دام عامين، في نص مدهش عدمَ تعرفها إلى وجوه الصديقات بعد أن نهشته المساحيق وعاثت فيه التآكل ودمرته. ولا يخفى أن تضرر البشرة يقتضي مواصلة استعمال المساحيق، وما أشبه اليوم بالأمس. وأكثر العمليات الجراحية رواجاً اليوم عملية تكبير الصدر، حتى أن الهوس بصحة قوام الثدي كان وراء إرسال السيدات الميسورات أطفالهن إلى مرضعة، إضافة إلى أن الازواج لم يريدوا أن تترهل أجساد زوجاتهم على وقع الرضاعة. وابتكر الطبيب جان ليبو في القرن السادس عشر طقماً كاملاً من الحديد والأسلاك يُربط بعنق السيدة لتقويم الصدر بعد الولادة. ومع بروز الإعلانات في منتصف القرن التاسع عشر، بدأت عملية التغني بألوان منتجات التجميل المختلفة من المواد الطبية لتجديد نضارة الجسم بعد الولادة. وقديمٌ هو التوق إلى الحفاظ على مظهر الشباب، فنوستراداموس عدَّد فضائل نوع من المياه يفترض أنها تبعث شباب البشرة النسائية. وعلى رغم ذيوع أسطورة نبع الشباب الدائم، كان التقدم في السن إلى وقت قريب مدعاة احترام، وكان المسن يحظى بمكانة الوقار في المجتمع، فهو ناقل الحكم إلى الأجيال القادمة. أما اليوم، فلا يُعتد بمكانة الأكبر سناً إلا إذا حافظ على مظهر شاب، كما لو أننا نرمي إلى السعي في زمن ثابت يعلق دوران الوقت بمرحلة الشباب. واليوم، لم يعد إخفاء الجسم وراء ألبسة كثيرة دارجاً، وفي المجتمعات الخدماتية الغربية مكانة المظهر بارزة، ويُنتظر من الفرد هناك أن يكون رحّالاً خفيف الحركة ونشيطاً ودينامياً، ولذا يجب على الجسم التحلي بالرشاقة والخفة... والموضة تقضي بعراء الوجه من علامات التعب والحزن، ولم تكن الأمور على هذه الحال في القرون السابقة، ففي المرحلة الرومانسية كان الجمال صنو الحزن والتقوقع على النفس، ومدح بالزاك الجبين «العالي» والمفكر، والجمال التأملي والضعيف. واليوم، تلغى إشارات الوقت عن الوجه، وكذلك عبارات الحزن أو الاستياء، ويفترض بالوجه أن يجلو على صورة فرح مستدام ولا يجوز أن يشي بانشغال «فكري». وفي عصر الفردانية، يوكل إلى المظهر إعلان هوية الشخص وإبراز فرادته. ولم يعد الجسم شارة خارجية على الانتماء إلى مجموعة أو طبقة، فالجسم هو حامل هوية صاحبه الفرد الفريد. واليوم يجبه أطباءُ التجميل تحدياً بالغ التعقيد، فالمرضى لا يريدون تقويم «شائبة» في الجسم أو الوجه، بل إبراز السمة الأجمل في الوجه للدلالة على أجمل ما في الشخص، وهو ما خُصَّ به دون غيره. وعلى رغم ارتفاع الطلب على عمليات تجميل فردانية، تنتهي هذه إلى خلاف ما تشتهي. فعوض أن تجلو فرادة الوجه، تتشابه الأوجه المعدلة. وهذا تناقض من بنات الحداثة. ولا يقر «النجوم» باللجوء إلى عمليات التجميل، ونادراً ما تدّعي ضحايا العمليات المخفقة في بلوغ هدفها على «المذنب»، وكأن التوسل بأدوات التجميل الجراحية وغير الجراحية معيب. وفي الماضي حظرت الكنيسة التوسل بحمرة الوجه حفاظاً على صورة الخلق. * باحث، عن «لو بوان» الفـــرنــــســـيـــة، 26/9/2013، إعداد منال نحاس