×
محافظة المنطقة الشرقية

موناكو العنيد يفاجيء ارسنال بالفوز 3-1 في لندن

صورة الخبر

جلس الخليفة المأمون في منتجعه في طرسوس على نهر الفرات من ديار الشام وكان يقصدها بعيدا عن حر بغداد، ولكنه غادر بغداد ولم تغادره هي، فقد كان مشغول البال بأولئك الذين يراهم منحرفي العقيدة والذين يقولون بقدم القرآن فيساوونه بالذات الإلهية.. فكتب إلى رئيس شرطتها (أما بعد فإن من حق الله على أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد في إقامة دين الله، فاجمع من بحضرتك من القضاة وابدأ في امتحانهم فيما يقولون، وتكشيفهم عما يعتقدون في خلق القرآن وإحداثه، وأعلمهم أن أمير المؤمنين لايثق إلا بمن وثق في دينه وخلص توحيده، وأنه ليس من أهل الضلالة، والجهالة الذين ساووا بين الله تبارك وتعالى وبين ما أنزل من القرآن، وأطبقوا مخضعين، بأنه قديم أول، لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه). ثم يصف الخليفة المأمون القائلين بقدم القرآن الكريم (أولئك شر الأمة، ورؤوس الضلالة، والمنقصون من التوحيد حظا). وتنفيذا لأمر الخليفة المأمون استجوب إسحاق بن إبراهيم العديد من القضاة والفقهاء ورجالات الدولة في هذا وكان منهم القاضي بشر الكندي، والفقيه أحمد بن حنبل والذي عاني من الحبس والتنكيل بسبب معتقده الذي يتقاطع مع المذهب المعتزلي. ورغم أن عصر الخليفة المأمون يعتبر من أزهى العصور الإسلامية في الاحتفاء بالعلوم والمعارف وترجمة الكتب بما يعادل وزنها ذهبا، مع الاهتمام بالفلسفة وفتح الساحة الفكرية للمذاهب للجدل والنقاش الذي يعززه أصحاب المذهب المعتزلي بالوصول للحقائق عبر العقل، لكن هنا مذهب العقل غادره العقل هنا، وأصبح يحاكم الناس على النيات، ونصبت محاكم تفتيش مكتملة الأركان، مهمتها أن تشق عن صدور الناس (تحديدا الفقهاء أو كبار رجالات الدولة ) كي يجهروا باعتقادهم هل القرآن مخلوق أم هو مؤزل ؟ وتفنن هنا المشاؤون بنميم والساعون بالشر، والمستقوون باستعداء السلطة في ممارسة أدوارهم، حيث قطعت رؤوس وأرزاق .. وعمت الفتنة. وظلت الحال كما هي عليه في عصر كل من الخليفة المعتصم والواثق، لكن في عصر الخليفة المتوكل انقلبت الأمور إلى أقصى اليمين، حيث قام بانقلاب سياسي على المعتزلة، وأصبح الناس على دين ملوكهم، وفز في المجتمع جميع ذلك الكامن المستبعد المدفون في زمن المأمون. لأن ما تقترفه الأنظمة الاستبدادية من طمس وكبت وإقصاء سرعان ما يرتد على عقبيه بصورة أكثر احتقانا وعنفا، وتبدأ حلقة جديدة من العنف والتصفيات. ففي زمن الخليفة العباسي القادر بالله القرن الرابع الهجري، كتبت الوثيقة القادرية، وهي وثيقة ضد المعتزلة وعدد آخر من التيارات الفكرية والمذهبية ويشير إلى محتواها المؤرخ الطبري (وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب الخليفة القادر بالله فقهاء المعتزلة، فأظهروا الرجوع وتبرأوا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، ومتى خالفوا أُحل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم ، واستن بسنته قتل المعتزلة! والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وَصَلَبَهُمْ وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على المنابر، وأبعد جميع أهل البدع ، ونفاهم عن ديارهم وصار ذلك سنة في الإسلام) وأمام هذا الاستبداد والبطش المروع ، أصبح من جديد داخل التركيبة الفكرية الإسلامية، مكون متنح غائب مكبوت، لكنه سرعان ما ينبثق فجأة على شكل عنف، وقتل وسحل، استجابة للقاعدة الفيزيائية الشهيرة، بأن كل طاقة مكبوتة لابد أن تتكثف وتنفجر بشكل يصعب السيطرة عليه، وتعود دورة الاستبداد من جديد، في متوالية تاريخية لم تنقطع إلى يومنا الحاضر. ومع إطباق الظلمة بتنا نجد في كل بارقة أملا .. فمؤتمر الإسلام ومحاربة الإرهاب الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي، مع جميع الأسماء الجليلة المشاركة به، نرجو أن تكون أجندة أعماله قد احتوت قضايا جوهرية وصريحة مع ممارسة نقدية وتفكيكية للكثير من الموروث الذي بات عبئا على الإسلام نفسه . هل تحتوي أجندة ذلك المؤتمر على :- -مراجعة نقدية للكثير من الموروث الفقهي المعجون بمادة السياسة ؟ - تقصي المقاصد الكبرى للشريعة، والاستجابة لروح العصر عند تفسير النصوص الدينية ؟ -تعزيز روح التعايش والتسامح وقبول المختلف، مع سن القوانين التي تجرم التكفير والتبديع والتفسيق. الأمة الإسلامية تمر بمراحل حرجة وفتن كقطع الليل .. وتيارات العنف اختطفت إسلامنا وأخضعته لتفسيرات عنيفة ودموية، ولابد من وقفة تاريخية أمام هذا المشهد، وإجراء الكثير من المراجعات.. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net