الغزل الأميركي –الإيراني لا زال مستمراً والتصريحات الإيجابية ما بينهما تجاوزت العرف الدبلوماسي لتصل إلى ليونة سياسية تُوجت بتمديد مدة المفاوضات. ومع ذلك ارتهنت دول مجلس التعاون للعقلانية في قمة الدوحة وشجعت مواصلة الحوار ما بين الأطراف بل ودعمت الاستضافة العمانية للقاء، إلا أنه يجب أن نؤكد هنا أن الرعاية العمانية لا تعني اطلاعاً على التفاصيل أو تمثيلاً لدول الخليج، وإنما هي مساهمة لتهيئة الأجواء فقط لا غير. والحقيقة وفي هذا السياق، استرعى انتباهي ما قاله أحد المسؤولين الأميركيين حول رؤية الإدارة الأميركية تجاه ما يحدث في المنطقة، مشيراً بأنه عندما تواجههم أية مشكلة في المنطقة فإنهم لا يترددون في أن يتواصلوا مباشرة مع الإيرانيين، على خلاف الحضور العربي الباهت، معللاً ذلك بأن "الإيرانيين صداقتهم تنفع وعداوتهم تضر، في حين ان العرب صداقتهم لا تنفع وعداوتهم لا تضر"! وقد سبق لي أن أشرت إلى هذه الجزئية في صفحة سجالات بجريدة الشرق الأوسط عن محاولة فهم هذا الملف الشائك وأبعاده وطبيعة التعاطي معه. ومع ذلك فحديث المسؤول الأميركي فيه الكثير من الصحة رغم مرارة الحقيقة، ويتضمن إشارة واضحة إلى مرحلة التردي التي يعيشها العرب وتضعضع التضامن العربي الفاعل وضموره ما أفسح لقوى أخرى من ملء الفراغ والدخول للساحة وفرض نفوذها. طبعا إيران تخشى من سقوط نظامها الذي لا يلقى شرعية محسومة لدى الغرب برغم التواصل بينهما، وتجد في إيجاد سلاح رادع نووي حماية لها وصيانة لبقاء نظام الثورة الإسلامية. ويجب أن نعترف بأن طهران امتهنت مسألة شراء الوقت، وبامتياز، بدليل انها لم تثبت أن برنامجها النووي هو فقط لأهداف سلمية، ناهيك عن ترسيخها لطرق كثيرة في المماطلة والتسويف خلال العقد الماضي. غير أن المتأمل لتطورات برنامج الملف النووي يشعر بأنه بات لغزاً لا يمكن فهمه، فإيران تقول استخدامه لأهداف سلمية، إذن من حقنا أن نتساءل: لماذا تقوم إيران بتضليل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا تفتح لهم أبوابها للتأكد من أن البرنامج يتفق مع شروط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟ لقد عبّرت دول مجلس التعاون الخليجي عن قلقها من البرنامج النووي الإيراني، وهي تستغرب تهميشها وإغفال دورها الإقليمي ولم تخف هواجسها وشكوكها من أن تتوصل إيران ومجموعة «5+1»، المكوّنة من الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، لتسوية ما قد تأتي على حساب استقرارها وأمنها الإقليمي، علما بأن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية سبق أن أكد أن التسويات في هذا الملف ستكون مرفوضة. ولذلك فالملف النووي الإيراني هو شأن إقليمي وترى دول الخليج أن من حقها الانضمام للمفاوضات، والاطلاع على تفاصيلها، ورفض أي ترتيبات وتفاهمات ما بين الطرفين قد تمسّ مصالحها الاستراتيجية، كون هذا الملف بشقيه الفني والسياسي شأناً إقليمياً بحتاً. لقد استغرقت المفاوضات مع إيران وقتاً طويلاً، وما زالت تدور في حلقة مفرغة. بدليل أنه لم تحسم مسائل هامة كتخصيب اليورانيوم، وعدد أجهزة الطرد المركزي، ومفاعل آراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة، وموقع فوردو تحت الأرض والمراقبة الدولية، وإن عُرف عن المفاوض الإيراني أنه لا يتعاطى مع مفاوضات ملفه النووي بمعزل عما يحدث في المنطقة من أحداث، وبالتالي لا يمكنه الذهاب للمفاوضات دون أن تكون في يده أوراق للمقايضة أو المساومة. وفي هذا السياق، بدا واضحاً أن سياسة باراك أوباما الاستسلامية في المنطقة أضرّت بمفاعيل استقرارها. ومن ثم فسّرت طهران التردد والتقاعس والتباطؤ الأميركي بأنه ضعف ووهن، كذلك فإن حضور الروس في الساحة بلغة قطبية جديدة دفع الإيرانيين ليضعوا بيضهم في سلة موسكو، فضلاً عن موضوع تخصيب اليورانيوم ونسبته وموقف الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك تبقى الكرة في الملعب الإيراني. إن دول الجوار ترغب في منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وتفعيل قرار مجلس الأمن «الرقم 687» عام 1991 بهذا الخصوص. ودول الخليج ليست بحاجة إلى قوة إقليمية غير عربية لتحقق التوازن الإقليمي مع إسرائيل، كما أن حصول إيران على السلاح النووي يعقد المشكلة ولا يحلها بل ويساهم في زيادة التسلح النووي في المنطقة، فضلاً عن المخاطر البيئية فيما لو حدثت تسرّبات إشعاعية في المنطقة. إشكالية إيران أنها تنطلق في تعاملها مع ملفات المنطقة من رؤية طائفية وليست من مفهوم الدولة، ولذا فهي بحاجة إلى نقد ذاتي موضوعي تنقذ به نفسها والمنطقة من المخاطر، وهذا الهدف لم يعد خياراً بين خيارات بل ضرورة استراتيجية لا بد منها لضمان استقرار الخليج وأمنه. أما في حال إصرار طهران على الاستمرار في مشروعها النووي. فإن الخليجيين لا ينتظرون تطمينات إيرانية بقدر حاجتهم لمشاهدة أفعال ومواقف جادة بدءاً من التأكد من سلمية البرنامج. صفوة القول: بات مهماً فتح الباب للخليجيين للانضمام لمفاوضات طهران مع مجموعة «5+1»، لأنهم معنيون بالأمر وشركاء في الجغرافيا، ومن دون فهم هذه الحقيقة بشكل صحيح، سيكون من المستحيل بناء الثقة مع دول الجوار فضلاً عن التنبؤ بمنطقة آمنة ومستقرة.