نحن شعوب مهووسون بالتقنية ( أعني التقنية التي لا تتعدى الأجهزة الذكية) وهذا لا جدال فيه، ويؤكد على ذلك استطلاعات عالمية كنا فيها في المراكز الأولى في استخدام التويتر ووسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها. إننا وكما هو مسلَّم به شعوب مستهلكة وهذا أضعف قدراتنا الإبداعية وآفاقنا وابتكاراتنا، وأصبحنا نعتمد على ما نستورده من الآخرين وفي أحايين كثيرة نسيء استخدامه والاستفادة من إيجابياته كما يفعل الغرب، وتتحول النعمة أحيانا إلى نقمة، فتكون أجهزة الجوالات على سبيل المثال سببا رئيسا في حوادث السير، حيث إن السائقين أو معظمهم لا يجيبون أثناء قيادتهم على المكالمات الواردة فحسب بل يجرون بأنفسهم المكالمات بما تقتضي أحيانا فتح خانة جهة الاتصال والبحث عن الاسم، ثم إرسال الرسائل ومتابعة رسائل الواتس أب بل الرد عليها، ومشاهدة مقاطع اليوتيوب. أصبحت الجوالات كاميرات غثيثة تلتقط الغث والسمين، ومن أراد الشهرة يكفيه نشر مقطع فيديو لمادة ساذجة قد تجعل منه/ منها أضحوكة أو تنقل مادة خالية من الصحة كوصفة للزكام او علاج للسرطان مثلا. الجوالات أضحت وسائل قطيعة يكتفي حاملوها بإرسال رسائل مكررة ودون اي مشاعر في المناسبات ظنا منهم أنها يمكن أن تفي بالغرض وتعوض عن عدم اتصال أو زيارة، وقد تشغل أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم البعض حيث ينشغل كل منهم بجهازه في عالمه الخاص الافتراضي بعيدا عمن يشاركه هواء الغرفة الواحدة دون أن يشعر أحدهما بالآخر او تكون هناك وسيلة تواصل بينهما. للأسف انتقلت هذه الآفة لمن هم حولنا، فرغم أن هناك قواعد عند المجتمعات الأخرى لاستخدام هذه الأجهزة ونظما تمنعهم من استخدامها في العمل أو حين الجلوس مع الأسرة والأصدقاء، إلا أن منهم من يعيش في مجتمعاتنا لا يتورعون من ملازمتها، الآن من الصعب أن أجد وسيلة أمنع بها الخادمة من ملازمة جهازها الذي قد لا يبتعد عن إذنها طيلة ساعات عملها مما يضعف نتاجها. البائعات والبائعون في المحال الذين ينزوون في ركن ما ضاربين بالزبائن وجه الحائط، ثم قصة الممرضات الثلاثة اللاتي فصلن من العمل في مدينة الملك سعود وواحدة منهن تصور مشهدا خاليا من الإنسانية وخارجا عن كل الشرائع السماوية في الاستهتار والاستهزاء بأحد المرضى. متى كانت الحياة بهذا الاستهتار وهذه العبثية! برأيي لا بد من تخصيص دورات لتعليم أصول استخدام وسائل الاتصال والتقنية وأنني لأعتبرها مبادرة طيبة قد تفيد في تعليم أساسيات التعامل واستخدام التقنية. لقد أسعدني قرار وزارة الداخلية بتغريم مستخدمي الهواتف أثناء القيادة، لعل الرادع المادي يكون أكثر إلزاما لهؤلاء الذين لم يلزمهم الذوق والحس الإنساني والوطني. أعجبتني كثيرا المرأة المسنة التي منعت أبناءها وأحفادها من اصطحاب الجوالات معهم وقت زيارتها، كي تحضر حواسهم مع أجسادهم من خلال زيارتهم وكي لا يجتمعوا مسلوبي الإرادة مشتتي الذهن عبيد لهذه التقنية. نتمنى ان تكون هناك عقوبات رادعة في العمل أيضا كي لا ينشغل الموظف ويؤخر المراجع. ولم أتحدث هنا عن المشاكل الصحية التي قد يتسبب استخدامنا الطويل لهذه الأجهزة به بل تتعداها إلى مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية أيضا. من أول البحر: الصحراء التي ابتلعت البحر شواطئها سراب مقيم وسماؤها مظللة بغيوم يابسة أتبعها على خير هدى أطلق سمعي لصمتها لخشخشة الأشجار الواقفة موتا أخبئ قلبي هناك في أعشاش الطيور التي هاجرتها أعلق حلمي على غصن طري خضبه الندى بالحياة الصحراء التي لا مفر منها إليها نهاري حارق كنهارها وليلي حالك كليلها في عيوني رماد كحلتها وقلبي ينبت كصبارها شائك يبحث عن قطرة حياة وأنا أبحث عن ظلي في وعثاء هجيرها عن فتاة أضاعتها المرأة التي أصبحتها