النسخة: الورقية - دولي السلطة السورية عازمة على إجراء الانتخابات الرئاسية المستحَقة في حزيران (يونيو) المقبل، على رغم أن إمكانية المشاركة فيها لن تصل إلى نصف السوريين. فما يقرب من ربع السوريين هجروا بلدهم بين لاجئ ومهاجر، وأكثر من ربعهم يعيشون في مناطق خارجة عن سيطرة قوات النظام أو في مناطق الاشتباكات. تستند السلطة السياسية في إجراء هذه الانتخابات المجزوءة إلى فهمها المركزي لبنية الدولة، إذ ترى أن الأصل في الدولة هو الرئيس بشار الأسد وأن الشعب طارئ وعابر ومتغير. لهذا ترى أن من يريد أن يكون سورياً عليه أن يختار بشار الأسد ويواليه، ومن هو غير ذلك لا يحق له أساساً أن يتحدث عن مسألة الانتخابات أو عن الرئيس. لهذا تتجاهل السلطة، ببساطة، عدم إمكانية مشاركة أكثر من نصف السوريين بالاقتراع، ضاربة بعرض الحائط أن الانتخابات حق لجميع السوريين وليست مجرد آلية لنيل بشار الأسد شرعية انتخابية زائفة. وغير ذلك، فالسلطة تبرر إجراءها هذا بالاستناد إلى دستور وضعته منفردة قبل عامين، وتعليه على الإرادة العامة للسوريين... علماً أن الدستور، وبغض النظر عن نسبة التوافق الشعبي عليه، ليس غالباً للإرادة العامة أو لإرادة الغالبية، بل لا يمكنه أن يتجاهل هذه الإرادة أو يلغيها أو يستثنيها لأي سبب أو ظرف، بل على العكس، هي المخوّلة أن تعطّله أو تعدّله، فهي مصدره وهي مَنْ يعطيه الشرعية وليس العكس. والدستور الحالي الهزيل لا يلحظ إطلاقاً ضــــرورة توافر مــشاركة نسبة معينة في العمـــلية الانتــخابية، ما يعني أنه لو شارك ألف ناخب فقط، فإن نتائج الاقتراع تشرعن للرئيس الفائز بهذه الأصوات. من ناحية أخرى، ما عاد يمكننا تسمية أي عملية اقتراع بأنها انتخابات حقيقية ما لم تكن حرة ونزيهة. وبناء على ذلك، هذه الانتخابات غير شرعية البتة، بغض النظر عن حق الأسد بالترشح من عدمه. فهذه الانتخابات لا تتصف بالنزاهة لعدم وجود رقابة محايدة على مجرياتها أو على عملياتها. فالسلطة تجعل مؤسستها القضائية، المشكوك بنزاهتها من جميع الأطراف، الجهة الرقابية الوحيدة. كذلك، فهذه الانتخابات بعيدة كل البعد من أن تكون حرة. فالسوري الموجود في مناطق سيطرة النظام يُعتقل ويُعذب وربما يُقتل لمجرد تصريحه بأنه لا يحب بشار الأسد ولا يقبله رئيساً. والعناصر الأمنية والعسكرية التي تسيطر على أمن المناطق المأهولة تعمل تحت لافتات مكتوب عليها «جنود الأسد»، وتضع على صدورها صورة بشار الأسد، وأحياناً تكون مترافقة مع صورة السيد حسن نصر الله. وهذه العناصر هي التي ستتولى حماية مراكز الاقتراع. فالسوريون الموجودون في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام عاد إليهم الرعب والخوف أكثر مما كان قبل انطلاق الانتفاضة قبل ثلاث سنوات، بخاصة بعد تنامي القسمة المجتمعية والسياسية السلطوية بين «سوريين» و «إرهابيين»، إذ أصبح كل من لا يطيع السلطة مهدداً بالاتهام بالإرهاب، عملاً أو دعماً أو تأييداً أو حتى إضعاف «الجيش» بمواجهة الإرهاب، وتستباح حقوقه وفق ذلك الى حد استباحة عمله وأملاكه وحتى حياته. وعادت السلطة تُجبر الموظفين والطلاب على الخروج بمسيرات التأييد. وتسري إشاعة الآن بأن من ينتخب ستوسم بطاقته الشخصية بختم نافر لتمييزه عن غير الناخب لاحقاً. لا يقتصر هذا الرعب الجاثم على روح المواطنين السوريين، بل يتعداهم إلى أي مرشح يمكن أن يُقبَل ترشحه في مواجهة بشار الأسد، إذ لن يكون في مقدوره الادعاء أنه أفضل من الأسد، ولا انتقاد قيادته أو أدائه أو إجراءاته. فهو مرشح بإذن الاستخبارات، ما لم يكن بطلب منها، وعليه ان ينال موافقة خمسة وثلاثين نائباً في مجلس الشعب بطلب أكيد من الاستخبارات أو القصر الجمهوري. فهو يترشح، إن حصل ذلك، ليتيح دستورياً إجراء انتخابات زائفة لنيل بشار الأسد شرعية انتخابية. الخشية الفعلية أن تعتمد السلطة السورية نتائج هذه الانتخابات ومجرياتها في المضي قدماً بقسمة المجتمع السوري بين من يشارك في الانتخابات فتعتبره سورياً ومن لا يشارك فيها فتشير إليه بإصبع الاتهام بالإرهاب. بناء على كل هذا، فإن الأصوات الدولية والمعارِضة التي ترى في هذه الانتخابات قطع طريق على مفاوضات التسوية السياسية التي بدأت بعد مؤتمر «جنيف 2» هي أصوات محقة. فالسلطة السورية ستتذرع بشرعية هذه الانتخابات التي فوّضت رئيس الجمهورية بالصلاحيات شبه المطلقة التي منحه إياها الدستور. وهذه صلاحيات نعترض عليها، ونعتبر أن التسوية السياسية التي نقبل بها سيكون محورها الرئيس نقل قسم كبير منها الى الحكومة والسلطة القضائية. ومع ذلك، لا تزال أمامنا بضعة أيام حتى نجزم بقيام هذه الانتخابات. فما زالت موسكو لم تقل قولها بالموضوع، ولم تقدم رداً تبريرياً على اعتراضات المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة، وإن كان مستبعداً ألا تدعم هذه الانتخابات. كذلك ما زال أعضاء مجلس الشعب السوري لم يقولوا كلمتهم النهائية، فقد لا يعطي خمسة وثلاثون عضواً منهم تأييدهم لمرشح آخر غير بشار الأسد، فهذا يعود الى تدابير القيادة السياسية، فإن لم يتحقق ذلك الآن أو في مرة تالية! كان حكم الدستور: استمرار الرئيس الحالي في ممارسة مهماته حتى انتخاب الرئيس الجديد.