عبدالرحمن الراشد رجل مثير للإعجاب ومثير للسخط وهو إلى ذلك كله مثير للغيرة عبدالرحمن الراشد، علم في رأسه مجلة وجريدة وقناة وفي رأسه عمود صحفي يشهده القاصي والداني. وهو الذي يشع ويلمع في كل منصة إعلامية امتطاها، وفي حقيقة لا مداهنة فيها كانت كل منصة تشع وتلمع بمجرد أن يلج إليها. أنا من أكثر المعجبين بعبدالرحمن الراشد في كل مسيرته الإعلامية الطويلة، ويصطف خلفي في هذا المسار طابور طويل.. طويل من الذين يجدون أن الراشد علامة فارقة في الإعلام السعودي والعربي. فلماذا نغمط حقنا كسعوديين في أن نجهر باسمه في مواجهة ركام طويل من الأسماء الشامية والمصرية والفلسطينية واللبنانية التي تمارس الأستاذية والفوقية، بينما هي لم تصنع إعلاميا مقارنة بالراشد شروى نقير، ومع ذلك نظل نرفع تلك القامات القصيرة ونُعلي من شأنها بدونية لا تليق بعلونا ولا تتناسب مع كوننا سادة المرحلة الإعلامية خلال العقود الثلاثة الماضية. قد تجد إعلاميا يبدع في المقالة الصحفية، وآخر ينجح في رئاسة التحرير، وثالث يتألق في الإدارة التلفزيونية، لكن الصعب هو أن يجمع عبدالرحمن الراشد بشكل لا نظير له النجاح في كل هذه المضامير. فقد تحقق له ذلك في رئاسته تحرير مجلة "المجلة"، وأكثر من ذلك في رئاسته تحرير جريدة الشرق الأوسط، وزاد على كل ما سبق في إدارته قناة العربية. وعبدالرحمن الراشد مع ذلك كله مثير للسخط والغبار والاختلاف مع الكثير من الأطياف والمذاقات والأمزجة التي تريده متساوقا ومتماهيا ومنسجما معها ولأنه مستقل وغير توفيقي فقد رموه بأشنع الملافظ. ثم إنه ثالثا يحصد إلى جانب هذه النجاحات كثيرا من الغيرة وسط بعض زملاء العمل في الحقل الإعلامي، وبالتالي فهم يصطفون ضمن طابور الساخطين الذين يتسقطون زلاته من أولئك الذين يجعلون من لممه كبيرة ومروقا. الراشد حالة استثنائية فقد تولى رئاسة تحرير الشرق الأوسط وعاشت أفضل مراحلها في عهده، وكتب ومازال عمودا سياسيا يحمل نفسا عميقا وجريئا وهو كعادته لا يخفض جناح الذل للمختلفين، ولكنه في مقالته المكثفة يصادم بالمعلومة ويقطع بالحجة. ثم تولى قناة العربية من بدايتها، وكانت قناة الجـزيرة تلتهم النسـبة القصوى من كعكة المشـاهدين، لكـنه وعلى نحو متدرج أخذ يقضم من هذه الكعكة ثم تمادى حتى اقتطع للعربية معظمها. ترك الراشد أخيرا قناة العربية فسالت الأحبار والأخبار والركبان بذكره وتوديعه بكثير من الحبور والجذل، وكثير من الخصام والجدل، والراشد في حالة غير مسبوقة يشهد تأبينه وتمجيده وهو حي يرزق، وهذا في حد ذاته تكريم لا يحوزه المبدعون في العالم العربي إلا بعد مواراتهم التراب. وصموه بكل مشتمة، ووصفوه بكل مقذعة، جاؤوه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وصفوه بالعلمنة فلم يرد، واتهموه بأنه عميل ومخبر. طعنوه في عقيدته، بل وفي سلوكه الشخصي، لكنه في كل مراحله وتحولاته ومحطاته الإعلامية صامد لا يعير بالا لما يقال، يصد ما يرده ولا يرد، وإلى ذلك كله فهو مستمر وفق منهجه ورؤيته التي اختطها لأسلوب عمله الإعلامي. شكرا للأستاذ الإعلامي والإداري والكاتب عبدالرحمن الراشد الذي يكرس وجوده معنى الاختلاف والتنوع، وكان خلال مسيرته ولا يزال قامة إعلامية عربية نرفع معها لافتة الفخر وبيرق الإعجاب وأمنيات طيبة له، وقد ارتاح من عناء الركض واللهاث أن يتفرغ لكتابة تجربته التي هي تلخيص لمرحلة هامة في الواقع العربي والإقليمي والدولي.