حاول ألبير كامو البقاء على حافة الهوية، بين نشأته جزائريا في وهران، وجذوره الفرنسية. وبقي بالنسبة إلى الجزائريين مستوطنا يكتب بلغة كولونيالية. كما ظل، بالنسبة إلى الفرنسيين، موضع انقسام: اليمين الذي لم يرَ فيه فرنسيا حقا، واليسار الذي أخذ عليه عدم تأييد الثورة الجزائرية بقدر كافٍ. كانت رواية «الغريب»، أو «اللامنتمي»، إحدى الأعمال الأدبية التي مُنح عليها كامو نوبل الآداب عام 1958. وهي قصة عبثية عن مستوطن فرنسي قتل رجلا عربيا (جزائريا)، وذهب بكل لا مبالاة يحضر جنازة أمه. كان اسم القاتل الفرنسي «ميرسو». قام الكاتب الجزائري كامل داود بكتابة رواية معاكسة بعنوان: «ميرسو - تحقيق مضاد» حيث يقوم السارد العربي بقتل مستوطن فرنسي. أحدثت رواية كامل داود بركانا من الاستعادات في فرنسا والجزائر معا. وكادت تحصد أهم الجوائز الأدبية في باريس. غير أنها طرحت من جديد أيضا، الجدل حول هوية كامو الحقيقية: هل هي في لغته، أم هي في أرضه؟ وكان إدوارد سعيد قد اعتبر الأمر محسوما بالنسبة إلى رؤيته للاستشراق. فالعربي في «الغريب»، وفي رواية كامو الأخرى، «الطاعون»، لا يستحق حتى أن يعرف باسمه. في رواية كامل داود، العربي لا اسم له أيضا، مع أن ميرسو يرديه بخمس رصاصات. ولا هو يرد في القرار الاتهامي ضد ميرسو. فالجريمة الكبرى التي ارتكبها ميرسو، بالنسبة إلى القاضي، هي أنه رجل بلا مشاعر لم يذرف دمعة واحدة في جنازة أمه. أول ما يفعله داود هو إعطاء العربي اسما: موسى. وله إيقاع مثل ميرسو. لكن في «معارضته» لكامو، يحدث ما يحدث عادة في معظم هذه الحالات. يقلد داود أسلوب «غريمه» ليس بطريقة كتابة «الغريب»، بل بأسلوبه في الرواية الشهيرة الأخرى «السقوط». لكن اللعبة الأدبية التي يلعبها داود ما بين نصين متعارضين ومتشابهين، بارعة وحاذقة وجميلة. يُقحم الصحافي هنا مواقفه وآراءه حيال الدولة والمجتمع كما كان الصحافي ألبير كامو يفعل في الأربعينات، عفوا أو قصدا. وقد دخل داود باب الشهرة الأدبية في فرنسا من باب واسع وشديد الذكاء، هو باب شهرة كامو. وصار اسمه فورا إلى جانب آسيا جبار وياسمينة خضرا (اسم مستعار لضابط جزائري سابق)، وكاتب ياسين. ويقول داود إنه تعلّم «الفرنسية على نفسي»، لأن حصة اللغة الفرنسية في مدرسته كانت محدودة جدا. غير أن نُقّاد فرنسا، وخصوصا في «الموند»، يرون في أسلوبه عملا أدبيا ولغة ثرية.