يبدو أن زواج الثقافة من الإعلام هو زواج أبدي ليس منه انفكاك، رغم أن النطاقات التي يتحرك بها الإعلام تختلف عن تلك التي تدور فيها الثقافة، فالإعلام هو قادم من المجهول والغامض متجها إلى المعلوم بصيغة خبرية مشبعة بالضوء، على حين أن الثقافة هي تصعد الإبداع من المعلوم إلى الغامض والنسبي وجميع مايكتنف المغامرة الإبداعية من الاحتمالات والأذواق والرؤى. تغيب حقيبة الإعلام عن التشكيلات الوزارية في غالبية حكومات العالم ومن ضمنها بعض الحكومات الخليجية، إلا أن هذه التوأمة بين الثقافة والإعلام لدينا تستمر لتضع المزيد من المسؤوليات على عاتق الوزير الجديد. ود. الخضيري تحمل سيرته الذاتية كما نشرتها وسائل الإعلام، خلفية أكاديمية مشبعة بالإدارة كعلم وكممارسة وخبرة، كمؤشر ايجابي يبعث على التفاؤل والأمل بحراك جدي داخل هذه الوزارة التي تكابد الكثير من الصعوبات. فجميعنا يعلم كمعنيين بقطاع الثقافة والإعلام أن هناك عددا من الملفات الثقيلة التي تنتظر الوزير، في الوقت نفسه نعلم بأن الأمر لايتعلق بعصا سحرية ستبدل المناخ الثقافي من حال إلى حال، ولكنها بالتأكيد تتطلب لياقة الركض في المضمار الطويل والمتطلب أيضا. وحتما سيكون هناك أولوية في اختيار الملفات الغائبة والمعطلة، بحسب أهميتها، وبحسب انعكاسها على الفضاء الثقافي، لاسيما أن هناك حالة تذمر في الأوساط الثقافية بسبب الأهمال، وغياب الدعم عن هذا المجال وانخفاض مستوى الأسقف التي يتحرك فيها هذا النشاط. ولعل الملف الأول والأهم لهذا المجال هو ملف الاستراتيجية الثقافية الوطنية، فهيكل إداري ضخم تغيب عنه الرؤى المستقبلية، والأهداف العامة والخاصة، وأدوات لقياس المخرجات، هو بالتأكيد لن يعمل إلا ضمن الحد الأدنى من النشاط نتيجة لغياب الرؤية والهدف. الملف الثاني هو البنية التحتية المهلهلة التي تعانيها الثقافة لدينا، ففي دولة بحجم وقيمة المملكة في المنطقة، تبدو المراكز الثقافية والأندية الأدبية بصورة بائسة مستهلكة داخل مبان مستأجرة، مع أنشطة تقليدية غير جاذبة عاجزة في الوقت نفسه عن صنع نهضة ثقافية حقيقية، ومناخ إبداعي خلاق يمثل نقطة جذب جماهيرية، وفي نفس الوقت يملأ ذلك الخواء الفكري الممتلئ بافكار التطرف والعصبية، ومن هنا بالتحديد نجد أن المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق هذه الوزارة فيما يتعلق بالأمن الفكري كبيرة.. الملف الثالث هو قلة الطاقات المدربة والمؤهلة داخل كوادر الوزارة، والآن وإن كانت وزارة التعليم العالي، قد ابتعثت بعض الطلبة لدراسة الإخراج السينمائي والمسرحي في الخارج، إلا أنها تظل هناك فجوة كوادر كبيرة، وأعتقد أنه لن يتم سدها إلا عبر التنسيق مع وزارة التعليم العالي والجامعات لتأسيس أكاديميات للفنون تسهم في نقل الثقافة والفنون من سلة الهواة والممارسة العشوائية التي تتم في هامش الوقت، إلى المرحلة الاحترافية المتفرغة. بالطبع الملفات السابقة لن تتحرك دون أن يكون هناك دعم معنوي ومادي ثقيل من مواطن صناعة القرار لتلك الوزارة التي بالتأكيد تعي دور النشاط الثقافي في صناعة الخرائط المعرفية والإدراكية للشعوب. بالإضافة إلى إرادة إدارية قوية صارمة وحازمة قادرة على أن تصنع فرقا، فالمهادنة ومحاولة إرضاء الجميع ستجعلان من ميادين الثقافة مضمار شد وجذب بلا انتاجية ملموسة على أرض الواقع.. كما هي العادة. حقيبة الثقافة والإعلام ثقيلة ومتطلبة لاسيما أن ممارسيها وجماهيرها متطلبان وبحس نقدي مرتفع. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net