لمعارضي قيادة المرأة السعودية للسيارة ثلاث حجج قديمة وثابتة، أولها، خوفهم على المرأة من الوقوع في شباك الفساد وبراثن الرذيلة، إذا ما اختلطت بالرجال واعتادت قدماها الخروج من المنزل. ثانياً، يصرون على أن قيادة المرأة ليست أهم حقوقها، بل لايزال المشوار طويلاً أمامها لنيل حقوق أهم وأكثر إلحاحاً. ثالثاً، خوفهم عليها من «الذئاب البشرية» التي قد تعترض طريقها إذا ما تعطلت مركبتها، أو انتهى وقود سيارتها، وهي بشارع قصيّ في ساعة متأخرة من الليل. حسناً، سنناقش تلك الحجج، ونتناولها «حبة حبة»، الأولى برأيي هي الأكثر بشاعة، ليس لأنها تتخذ سوء الظن أسلوباً ومنهج حياة، عبر انتزاعها الثقة من المرأة «الأم والأخت والابنة» فحسب، بل لأنها تسرق منها حقاً بديهياً وتدفنه في أعماق الرمال على افتراض بأنها لن تجيد فتحه أو تحسن استخدامه، وهذا استخفاف واضح وصريح بآدمية المرأة وعقلها. أما الحجة الثانية، فهي الأكثر ارتباكاً وهشاشة، إذ يؤمن هؤلاء بأن للمرأة جملة من الحقوق، ولكنهم يصنفونها على مبدأ الأهم، والأقل أهمية، وكأنهم بذلك يحظرون على سجين حق الزيارة، لأنه لم يحصل على حق الحصول على محامٍ يدافع عنه بعد. فهم بذلك يعترفون بأن القيادة حق، ولكنه حق مؤجل، متجاهلين أنه قد يكون آنياً وملحّاً لدى نساء أخريات. الحجة الثالثة هي الأكثر تناقضاً وتخبطاً، إذ يدعي هؤلاء بأننا مجتمع محافظ ومتدين وله خصوصيته، ولا أختلف معهم بذلك، إذ إننا أكثر شعوب العالم دراسة للمواد الدينية، وأكثرهم تعرضاً للمراقبة والوعظ والوصاية الأخلاقية، والأعلى في عدد المساجد وبيوت الصلاة، لكن وعلى الرغم من كل تلك التعبئة الدينية والأخلاقية التي من المفترض أن تنتج جيلاً فاضلاً، لازال بعضنا يصر أن المرأة ستهاجم من قبل شبابنا «الذئاب البشرية» التي ستنقض عليها حال ركوبها خلف المقود. .. فإلى متى تحظر حقوق النساء خوفا على شهوات الرجال من الانفلات؟ وكأننا مجتمع همجي تحكمه شريعة الغاب، وليس مجتمعاً مدنياً يصونه القانون ويحكمه جهاز قضاء عادل. اليوم، القضية تعود إلى الواجهة، والأصوات ترتفع مرة أخرى، مطالبة بانتزاع ذلك الحق من قبضة الأيدي الرافضة، بعد إقدام المواطنة لجين الهذلول على قيادة سيارتها برا من الإمارات إلى السعودية، ولكن شرطة الحدود منعتها من الدخول بل وأبقتها في حالة انتظار، إلى أن سحبت جوازها، وانقطعت أخبارها حتى لحظة كتابة المقال، وقد تكون موقوفة في زنزانة صغيرة، والعالم الكبير من حولها غاضب يتحدث عن هذا التوقيف وتداعياته، إذ تناولت صحف ومحطات عالمية الحدث، وغرد من أجله شخصيات عربية وعالمية مطالبة بإطلاق سراحها، ومنح المرأة السعودية حق القيادة. لكن «القوى الوهمية» التي رفضت التعليم وحاربت الفضائيات وحذرت من شرور كاميرا الجوال، لازالت تمارس شحناً وتعبئة، لإلباس القضية ثوباً دينيا، وربط قيادة المرأة بانحلال المجتمع ودمار البيوت وضياع الأجيال القادمة، وهنا يحلو لي أن أسأل هل مجتمعنا هش ومتزعزع لدرجة أن تهز أعمدته الثابتة أنثى ذاهبة إلى عملها/جامعتها/بيتها خلف المقود؟؟ وهل جلوس المرأة في مركبة ضيقة مع سائق أجنبي مغمور في خلوة محرمة يندرج تحت فضائل المجتمع وتقوية أواصر الأسر؟ أم أننا نرفض لمجرد الرفض؟ ونخاف فقط لأنه المجهول؟ أطلقوا سراح لجين الهذلول، فتوقيف امرأة مكتملة العقل في القرن الواحد والعشرين، قرن الثورة المعرفية، والألواح التكنولوجية المسطحة، والوصول إلى المريخ، وصمة عار في جبين الإنسانية والتقدم العقلي للإنسان. ففي مايو 2011 تم اعتقال منال الشريف إثر قيادتها لمركبتها في مدينة الخبر برفقة أخيها، وأطلق سراحها مقابل كفالة مالية، وضج الشارع السعودي ما بين مناصر ومعارض، وتناولت صحف العالم الخبر في صباح اليوم التالي بمنشيتات صحفية ساخرة، واليوم السيناريو يتكرر من ناشطة أخرى، وسط صمت حكومي مطبق، وجعجعة شعبية صاخبة.. لكن هل تغير شيء خلال 3 أعوام؟، الأمل في حل هذه العقدة بيد أمير الأمن الشاب المتفتح والنشط وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز.