الرياض - أنجز الباحث الدكتور عبدالله بن علي آل موسى كتابًا جديدًا بعنوان “أسواق.. الأسواق الأسبوعية في منطقة عسير”، ويقع في 406 صفحات من القطع المتوسط، مزوّدًا بالصور المعبِّرة والوثائق التي تثبت عمق تاريخ بعض تلك الأسواق. وجاء هذا الكتاب الذي صدر مؤخرا، محتويًا على عدة موضوعات، أهمها: أدوار الأسواق الأسبوعية، التعاملات التجارية فيها، مكونات السوق، أسواق مدينة أبها والمراكز التابعة لها، أسواق محافظة أحد رفيدة، أسواق محافظة الأمواه، أسواق محافظة بارق، أسواق محافظة البِرك، أسواق محافظة بلقرن، أسواق محافظة بيشة، أسواق محافظة تثليث، أسواق محافظة تنومة، أسواق محافظة الحرجة، أسواق محافظة خميس مشيط، أسواق محافظة رجال ألمع، أسواق محافظة سراة عبيدة، أسواق محافظة طريب، أسواق محافظة ظهران الجنوب، أسواق محافظة الفرشة، أسواق محافظة المجاردة، أسواق محافظة محايل، أسواق محافظة النّماص، أسواق قديمة اندثرت منذ عهود قديمة. وبيّن الباحث في مستهل كتابه أن أسواق منطقة عسير قد ارتبطت بأسماء تحاكي أيام الأسبوع، وعادة ما تقرن بتظاهرات صاخبة لتسوق متنقل ترسبت فيها التقاليد الاجتماعية الموروثة، كطريقة ابتدعها التاجر في منطقة عسير؛ ليتغلب على مشكلة التضاريس المعقدة، وليسوق بضائعه المتنوعة إلى كافة المناطق المجاورة. ن وفي تحول جذري لأهميتها أصبحت هذه الأسواق بمثابة قاعات تعقد فيها الصفقات وتحرر الأمور الاقتصادية، بل إنها كانت محل التقاء وتشاور وتخابر بين الوافدين من القرى والفيافي، حتى تحولت اليوم إلى وسيلة جذب سياحي للمنطقة. وأشار الباحث إلى أن الأسواق الأسبوعية في منطقة عسير كانت بمثابة المنبر الثقافي لأهل المنطقة خاصة قبل 50 عامًا، إضافة إلى كونها اليوم الوحيدة في الأسبوع التي يتم فيها البيع والشراء، إلا أنها تعد يوم مقاضاة ومحاكمة وحل للخلافات بين المتخاصمين، وإبلاغ إعلانات الحكومة، وتأديب الخارجين على الشّرع والعُرف، وفيها تتداول الأخبار، ويقام فيها منبر الوعظ والإرشاد، حيث ينادي منادٍ على مكان مرتفع ويقول بأعلى صوته مرددًا “خبر خير”، فيجتمع المتسوقون، ثم يقف الواعظ أو مندوب الدولة فيلقي ما يريد قوله من وعظ أو خبر، كما يعلن خلاله الصلح أو الهبة، وذلك بأن يقوم شخص يركب حمارا ممن يؤجَّر على الإعلان، فينادي في الهبة مثلا “يا من له البيضاء فهي مبنية من بيشة الغناء إلى نجران فهي (ويسمي) وهب ما له أو تنازل عن حقه على (ويسمي)، قولوا: (يستاهلها) فيردد المتسوقون: (يستاهل) ويكون في ذلك توثيق للهبة.” وينبّه الباحث إلى أن هذه الأسواق لم تُترك دون حماية أو تنظيم، وإنّما اعتمدت على النُظُم القبلية والوثائق الخطية المنظِّمة لشؤونها، فالقبائل جميعًا فرضت شروطًا وقوانين وأنظمة، منها أن الجميع تحت حماية القبيلة التي تحتضن السوق وتدافع عنها، وتنشر الأمن بين المتسوقين، وتراقب الأسعار وجودة المعروض للمتسوق، وأن يكون للسوق شيخ يرأسها، يسمى “شيخ أو رئيس السوق”، يُرجع الأمر إليه كله من خلال فرض العقوبات على من يحاول أن يخل بأمن السوق ومرتاديها، وبهذه القوانين الصارمة أصبح المتسوق في مأمن من خصمه، وكان يوم السوق من أصعب الأيام التي تمر على شيخ أو رئيس السوق؛ لأنه يعتبر نفسه المسؤول عما يحدث ويجري في السوق من أحداث، وكان ذلك قبل الحكم السعودي. ويقول الباحث “إنه رغم التطور الحضاري الذي تعيشه البلاد في كافة جوانب الحياة، ومن بينها انتشار المجمعات والمراكز التجارية الكبيرة، إلا أن الأسواق الأسبوعية القديمة مازال بعضها يحتفظ بجاذبية كبيرة لكثير من الناس؛ لأنها تتميز بنكهة وروح الماضي القديم الذي اتسم بالبساطة، لكنها لم تعد بتلك القوة السابقة، وأخذت تفقد الشيء الكثير من رونقها وطبيعتها العتيقة بسبب كثرة الأسواق الحديثة، خاصة التي أصبحت تفتح أبوابها ليلًا ونهارًا، وقد اندرس الكثير منها، ولكنها لا زالت تعني الشيء الكثير عند بعض الناس خاصة كبار السن.” Thumbnail وحرص الباحث في هذا الكتاب على توثيق أسواق منطقة عسير، خاصة القديمة منها، فقام من أجل ذلك بزيارات متعددة إلى محافظات المنطقة، والالتقاء بكبار السن والمثقفين المهتمين بالتراث، وأحصى 121 سوقًا شعبية في مختلف جهات منطقة عسير. ويذكر الباحث أن للسوق في منطقة عسير مكونات من أبرزها: ساحة السوق، والدّكاكين، والمجلبة، وسوق النّساء، ومنبر السوق، والمجزرة، ومبارِك الإبل ومرابط الخيل والحمير، وأماكن بيع البرسيم والقصب، والمحناطة، وسوق الحطب. كما يؤكد أنّ لهذه الأسواق فائدة اقتصادية كبيرة، ومنها عرض جميع منتجات المنطقة، سواء الزراعية مثل الحبوب والتمور والخضار والفواكه والأعلاف والزيوت النباتية، أو المنتجات الحيوانية مثل اللحوم والسمن والإقط والزبد والعسل، أو المنتجات المحلية لصناع المنطقة مثل المنتجات الخُوصية والحجرية والخشبية والجلدية والحلي والأقمشة والأحذية وغيرها. وختم الباحث كتابه بذكر بعض أشهر الأسواق القديمة التي اندثرت في منطقة عسير، مثل سوق حباشة، وهي أقدم وأعظم أسواق تهامة، وسوق الخرباء، وسوق الجِلال بالأمواه، وهي سوق جاهلية قديمة غرب محافظة الأمواه في ضيقة غدير العثنون بجبال السود، وكانت تسمى “سوق الليل”، وفيها آثار قديمة تدل على أنها كانت عامرة في الزمن القديم، وكانت قائمة على تجارة الذهب والمعادن؛ لأن في جبال الجلال والمواقع التي تحيط بها أماكن تعدين وتوجد فيها طواحين خاصة بسحق المعادن.