يُقال حشو الرؤوسِ بما لا تفقه، ضربٌ من الغباء المُجهد، وهكذا هو حال ما نعيشه الأن في بعض أمور حياتنا .. على سبيل المثال الحشو العلمي الدراسي في المدارس والجامعات وكيفية استقبال طلبة العلم لهذا الكمّ الكبير من المعرفة . وما يسببه من تقلص حجم دائرة التفوّق العلمي والإدراك المهاري لدى الطلبة في كثير من الأحيان، وهذا هو المُلاحظ . عندما تأتي إلى طالب الصف الثالثِ للمرحلة الثانوية على سبيل المثال، تجد عند المتفوّق منهم كمّا هائلا من المعرفة المتدفقة بين يديه والمُقتبس من كل بحرٍ قطرة ، إلى هُنا كل شيء على ما يُرام ! لكن عندما يصعد متجاوزا تلك المرحلة ومتوجهّا للمرحلة الجامعية ويصطدم بحشوٍ أعمق بكثير معرفيا مما كان عليه قبل سنوات ، فلا تستغرب من هبوط مؤشر علاماته الدراسية مُعلنا بقدوم جيل جديد آخر والذي من أقوالهم عسى الدكتور يدفّلي درجات !! . المُشكلة الأساسية في نظري هي المنهجية التقليدية في التعليم والمُتراكمة على هذا الحال منذ سنوات طويلة، حشوٌ للمعرفة دون أيّة تبؤاتٍ عن ماهيّة مهارة الطالب أو ماهيّة الطرق الصحيحة لرسم طريقٍ علميٍّ واضح يستطيع من خلاله طالب العلم أن يرى مقعده العملي المستقبلي واضحا أمامه كعين الشمس كما يقولون .. ولأني لا زلت طالبا جامعيا، أدرك تماما ما نتائج هذا الحشو العلمي في رأسي ورؤوس من هم بمثل هذه المرحلة الدراسية، والذي أخرج جيلا بذاكرة تسعُ عشرات الكُتب حفظا وحشوا وتخزينا دون أيّ معالجةٍ فكرية وتطويرية مجدّدة لهذا العقل والكيان البشري ! نسمع كثيراً بنداءاتٍ لتطوير المنهجية العلمية، والناتج من هذه النداءات هي كتبٌ دراسية بعدد أكبر محشوّة أكثر بالمعرفة في عصرٍ أصبح فيه الكمّ المعلوماتي من التقنية هو المعلّم والموجّه لكثير منّا ، مما يفقدنا لُبّ هذه المعارف والخُلاصة المرجُوّة منها . نحتاج إلى الكثير من التطور في المنهجية التعليمية، نحتاج إلى المعلمّين الأباء قبل الملقّنين للأبناء، نحتاج إلى غرس الصورة المستقبلية للطالب قبل حتّى دخوله المرحلة الثانوية ليتسنّى له التخطيط لما هو قادمٌ إليه مستقبلا وماهي الأمور التي سيواجهها في طريق تحقيق تلك الصورة التي رُسمت بمخيلته فيما مضى ، والتي للأسف لا تُرسم بالشكل الصحيح الواضح إلاّ بعد تجاوزه كطالب جامعيّ السنة التحضيرية !! عموما، لا زلنا نفتقد التنظيم المعرفيّ واللبنة الصحيحة لبناء العقل المُفّكر المُجدّد، نفتقد البيئة الصحّية العلمية العملية المُنتجة لجيلٍ فعلا لا يرى هذا الحشو المعرفّي إلاّ ضرباً من الغباء ، ولا زال السؤال قائما كم وزن الحشو العلمي إلى الأن في رأسك؟ . #إنتهى بقلم : مكسور جوركي ا @MaksorGorky