بعض المفاهيم الاقتصادية المختصة بالموارد الطبيعية الناضبة (لا سيما البترول في الخليج) يساء فهمها فيستخدمها البعض في غير مفهومها الصحيح. من هذه المفاهيم مفهوم النضوب الاقتصادي للبترول الذي أصبح يفسّره البعض – خطأ – بأنه يعني أن أسعار البترول ستنخفض الى أقل من التكلفة الحالية لإنتاج البترول السهل (حوالي 15 دولارا للبرميل) مستشهدين بانخفاض أسعار البترول العارض في الثمانينيات الى حوالي 10 دولارات وهذا المفهوم هو الوجه الثاني للعبارة التي تقول: "ان عصر البترول سينتهي قبل ان ينتهي البترول". قد يكون الغرض من نشر هذا المفهوم بحسن النيّة (بالأحرى الغفلة) لعدم فهمهم لديناميكية عملية النضوب فيعتقدون فعلا أن أسعار البترول ستنهار للاستغناء عنه بسبب اكتشاف بدايل كاملة رخيصة للذهب الأسود قريبا. ولذا يطالبون باغتنام ارتفاع سعر البترول الحالي بزيادة الانتاج الى حد الاستنزاف والاحتفاظ بإيراداته فيما يسمونه الصناديق السيادية بدلا من بقائه مصونا تحت الأرض. الرصاصة التي لا تصيب تدوش وهذه إحدى الرصاصات الطائشة التي خلقت الدوش (التشويش) لدى الكثير من الناس كما يبدو من تغريداتهم في تويتر فرغم أن البعض يسخر من هذه الدعوة، إلا أن البعض الآخر يبدو محتارا هل يصدقها أو يكذبها، والبعض الآخر يبدو انهم متعاطفون (وربما مصدقون) للذين يروّجون لفكرة الاستغناء عن بترول الخليج الرخيص فينتهي عصره ولا تزال آباره فوّارة بالبترول. في يوم السبت 3 ديسمبر 2011 (قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال) كتبت مقالا مختصرا في هذه الزاوية بعنوان: "الفرق بين ذروة الانتاج ونضوب البترول". قلت فيه ما يلي: "النضوب الاقتصادي للبترول يعني أنه بعد أن يصل إنتاج الحقل الى ذروته يستمر الانتاج على نفس المستوى (يسمى Plateau) لعدة سنوات تستخدم فيها الطرق المحفّزة ثم يبدأ في الانخفاض القسري تدريجيا وترتفع تدريجيا تكاليف استخراج المتبقي منه الى ان تصل تكاليف استخراج البرميل الى سعر بيعه في السوق فيضطر المنتج الى إيقاف الانتاج حيث يصبح المتبقي غير مجد من الناحية الاقتصادية في ظل أسعار البيع السائدة". هذا هو المفهوم الصحيح للنضوب الاقتصادي للبترول بمعنى أن تكاليف الاستخراج هي التي سترتفع بسبب الاستنزاف فتؤدي لشحّة المعروض في السوق، وليس أن الأسعار هي التي ستنخفض بسبب شحّة الطلب نتيجة للاستغناء عن البترول. الفرق بين المفهومين واضح ولا يمكن ان يخلط بينهما إلاّ من لا يعرف الفرق بين أساسيات منحنى العرض وأساسيات منحنى الطلب. حتى لو استخدمنا المفهوم اللغوي لكلمة ناضب نجد أنها تعني الاضمحلال (اي تلاشي الشيء واختفاؤه تدريجياً من الوجود) وبالتالي تتصاعد تكاليف استخراج المتبقي منه الى أن تصبح التكاليف أعلى من قدرة الإنسان المالية على دفع الثمن. أما ما يسميه البعض الآن النضوب الاقتصادي للبترول فهم في حقيقة الأمر يقصدون الاستغناء عن البترول رغم وجود البترول بغزارة عاطلا في مكامنه تحت الأرض. وهذا لا يسمى النضوب الاقتصادي للبترول بل يسمى التخمة (عكس النضوب) الاقتصادية للبترول. نحن لا يهمنا كيف أن طبيعة بعض البشر تجعلهم يفهمون (ومن ثم يفسرون كما يحلو لهم) الأشياء بعكس معناها الحقيقي وهذا شيء خاص بهم ولكن يهمنا كثيرا أن لا يحاولوا استخدام فهمهم المغلوط لإقناعنا بتبني سياسات اقتصادية تضر بنا وبأجيالنا القادمة كمطالبتنا باستنزاف ما تبقى من بترول حقل الغوار وتحويله الى أموال سائلة تعصف بها رياح ما يسمونه الصناديق السيادية. موضوع زاوية الأحد القادم – إن شاء الله – بعنوان: "عودة لأسباب انخفاض أسعار البترول".