واصلت أسعار عقود النفط الآجلة في الأسواق الدولية تراجعها رغم تماسكها في الأيام الأخيرة حول سعر 80 دولارا للبرميل، وسط حالة من الجدل حول موقف أعضاء الدول المصدرة للنفط (أوبك) في اجتماعهم المرتقب الخميس المقبل في فيينا، حيث يعتقد مراقبون أن المنظمة قد تلجأ إلى خفض مفاجئ وغير معلن إرضاء لصغار الأعضاء مثل الإكوادور وفنزويلا، فيما يعتقد آخرون أن ذلك لن يحدث. وفي ختام تعاملات الأسبوع، انخفض نفط برنت لشهر يناير بمقدار 84 سنتاً ليسجل 78.47 دولار للبرميل في بورصة لندن، فبحسب بيانات بورصة نيويورك التجارية تمت تجارة العقود الآجلة للنفط الخام في يناير على 76.27 دولار للبرميل بارتفاع 0.55 في المائة. وفي الوقت نفسه، ارتفع سعر نفط برنت لشهر يناير على نايمكس 0.16 في المائة لتتم المتاجرة به على 79.58 دولار للبرميل، بينما فرق النقاط (السبريد) بين عقود نفط برنت والنفط الخام يقف على 3.31 دولار للبرميل. وبالنسبة لخام غرب تكساس الوسيط، تحرك بشكل جانبي يوم الأربعاء الماضي وظل منحصرا بين حاجز الدعم 73.35 (حاجز الدعم الأول) وحاجز المقاومة 76.00 (حاجز المقاومة الأول). إلى ذلك قال لـ "الاقتصادية" مسؤول دبلوماسي إيراني، إن لقاء سيجمع بين وزيري النفط السعودي والإيراني، على هامش لقاء أعضاء المنظمة في فيينا هذا الأسبوع، مشيرا إلى أن المصلحة السعودية والإيرانية فيما يتعلق بأسعار النفط مشتركة، وهناك تواصل مستمر بين أعضاء منظمة "أوبك"، والقرار بيد الأعضاء، والسعودية لها دور كبير بما أنها من المؤسسين للمنظمة هي وإيران، وأي تعاون بينهما سيكون لمصلحة كل المنتجين. وأضاف: "سيناقش الوزيران السعودي والإيراني على هامش منظمة أوبك في فيينا الأسبوع الجاري, المصالح المشتركة ومصالح الدول المصدرة للنفط ككل، والأمير سعود الفيصل طرح في موسكو مسألة أسعار النفط مع وزير الخارجية سيرجي لافروف، وهي الشغل الشاغل لكل الأطراف المصدرة للنفط، ولا بد أن يكون هناك تصحيح لأسعار النفط والتحكم فيها". وحول تأثير انخفاض أسعار النفط عالميا في الميزانية الإيرانية قال أحسن، "لا أنكر الأثر السلبي جراء انخفاض أسعار النفط، خاصة أن 40 في المائة من الميزانية العامة لإيران تعتمد على النفط، وبالتالي إيران ستتأثر من ذلك الانخفاض". واستبعد علي أحسن، مسؤول الإعلام في القنصلية الإيرانية في السعودية، تأثير انخفاض أسعار النفط على السياسة الإيرانية، حيث قال "رغم الضغوط التي تواجه إيران، إلا أن سياسة إيران الخارجية مستقلة عن تذبذبات أسعار النفط، وأن إيران تعاملت منذ أكثر من 30 عاما بأسعار مختلفة لبيع النفط، إلا أنها لم تؤثر في سياستها الخارجية . وقال إن إيران قادرة على تحمل أي درجة تصل لها أسعار النفط، خصوصا أن لها تجربة في التعامل مع أسعار متدنية جدا للنفط في سنوات سابقة". ولتحليل اتجاهات السوق، أكد خبراء اقتصاديون أهمية الدور الروسي في تحقيق الاستقرار في سوق النفط في المرحلة القادمة في ضوء النزيف التدريجي للأسعار، موضحين أهمية الاتصالات التي أجرتها روسيا مع كل من السعودية وفنزويلا هذا الأسبوع من أجل الدفاع عن استقرار السوق وضمان استمرار الأسعار العادلة للنفط. وأشار الخبراء إلى عدم توافر الإمكانات لدى الروس لتخزين الإنتاج وضرورة استمرار عملية ضخ النفط للحفاظ على الآبار، مؤكدين أنها لم تخفض الإنتاج منذ عام 2008، على الرغم من طلب الأوبك منها هذا الأمر للحفاظ على استقرار السوق، حيث إن الأسعار المرتفعة السابقة التي تجاوزت 100 دولار للبرميل هي الأنسب لميزانية روسيا. وأوضح المكتب الإعلامي للعملاق النفطي الروسي روسنفت، أهمية الاتفاق الذي تم توقيعه هذا الأسبوع بين مجموعة روسنفت الروسية العملاقة وشركة النفط الوطنية الفنزويلية بإبرام عقد طويل الأمد لإمدادات النفط والمنتجات النفطية من إنتاج فنزويلا، مشيرة إلى أن العقد ينص على إمدادات أكثر من 1.6 مليون طن من النفط وتسعة ملايين طن من المنتجات النفطية إلى مجموعة روسنفت في غضون خمس سنوات. ومن جانبها وفي تصريح خاص لـ"الاقتصادية"، قالت المختصة البلغارية بيتيا إيشيفا، إن الاقتصاد الروسي يواجه العديد من الصعوبات أبرزها العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الأزمة في أوكرانيا التي أدت إلى التضييق عليها في المعاملات المالية مع الدول الغربية خاصة ما يتعلق بالتمويل والاقتراض. وأشارت إلى أن التعاون مع الصين بصفتها سوقا كبيرة لاستهلاك النفط ومع فنزويلا باعتبارها عضوا مهما في الأوبك يمثل ضرورة لتنسيق المواقف للحفاظ على مصالح جميع اللاعبين في سوق النفط. وأوضحت أن تراجع أسعار النفط بنسبة تصل إلى 33 في المائة منذ يونيو الماضي، حيث هبط السعر إلى أقل من 78 دولارا للبرميل لا شك أنه يلحق ضررا بالاقتصاد الروسي الذي يتسم بضخامة الإنفاق وصعوبة تحقيق التوازن في الميزانية إلا عند أسعار مرتفعة للنفط تتجاوز 100 دولار للبرميل، ومن هنا أهمية دور موسكة في إقناع الآخرين بدعم الأسعار. وأشارت إلى أن روسيا لا تستطيع وقف الإنتاج لظروف المناخ وعدم وجود استثمارات متنامية فيما يتعلق بتخزين النفط، وأن الأرجح لروسيا يتمثل في خفض صادراتها التي تبلغ نحو أربعة ملايين برميل يوميا. وقالت إن ما إشيع في الإعلام عن احتمال لجوء الأوبك إلى خفض الإنتاج بما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا، ربما يكون غير دقيق، وإن الأرجح هو بقاء الإنتاج كما هو. ومن جانبه، طالب خبير الطاقة العراقي في فيينا عامر البياتي بتطوير الحوار الدوري في مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول المصدرة للبترول "الأوبك"، الذي عقد أحدث اجتماعاته في بروكسل يونيو الماضي، مؤكدين أن الحوار في مجال الطاقة يحتل أهمية خاصة لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق التعاون بين الدول المصدرة وعلى رأسها دول الأوبك وبين الدول المستهلكة للنفط وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي. وشدد على أن الحوار المثمر بين الاتحاد الأوروبي والأوبك يمكن أن يسهم كثيرا في تحقيق الاستقرار والتنمية للاقتصاد الدولي، مؤكدين أن استقرار قطاع الطاقة هو استقرار لكل القطاعات الاقتصادية الأخرى، كما أنه يحقق معدلات نمو اقتصادي جيدة في جميع أنحاء العالم. وأوضحوا أن الحوار الفعال يسهل تنسيق المواقف بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأوبك خاصة في ضوء التطورات غير المتوقعة التي تشهدها سوق الطاقة في المرحلة الحالية بسبب تراجع الأسعار وتعطل الإمدادات النفطية في بعض الأحيان. وقال إن منطقة الشرق الأوسط وأيضا شرق أوروبا تشهد صراعات وتوترات سياسية لها تأثيرات واسعة في التعاون الاقتصادي وإمدادات الطاقة والتجارة العالمية، مشيرا إلى أهمية التركيز على زيادة وتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي وأوبك في شؤون الطاقة والنفط من أجل التغلب على الشكوك والتحديات القائمة. وأشار إلى أن الأوبك لها تقييمات جيدة لآفاق سوق النفط على المديين القصير والطويل، ويجب أن تكون هناك استراتيجية عمل لتطوير الأداء الاقتصادي الدولي بالتعاون بين كل الأطراف ولمصلحة الجميع، وأن تتوافر الآليات الفعالة لمواجهة المشكلات الاقتصادية بما يحسن منظومة النمو في الاقتصاد العالمي. ومن جانب آخر، توقعت المحللة الاقتصادية الروسية ريما سوبحانكولوفا، أن يكون لتسارع عمليات التنمية في آسيا في السنوات المقبلة دور مهم في زيادة الطلب على النفط وزيادة الصادرات النفطية من دول الأوبك خاصة إلى دول وسط آسيا. ونبهت إلى أن مستويات الإنتاج الحالية جيدة، والأسعار مناسبة لميزانيات دول الأوبك، مشيرة إلى أهمية الحفاظ على الاستقرار في سوق النفط الدولي، معتبرة أن الأوبك كانت وستظل اللاعب الرئيس في هذا الصدد. وشددت على تعميق التفاهم والتعاون بين الدول المنتجة والدول المستهلكة خاصة بين دول الأوبك والاتحاد الأوروبى والاهتمام بدراسة ومعالجة القضايا الدولية ذات التأثير، ومنها التغير المناخي، ومراجعة السياسات الدولية في مجال الطاقة بما يضمن تحقيق التنمية في كل الدول واستقرار الأسواق. وأشارت إلى أهمية المفاوضات متعددة الأطراف الجارية في إطار الأمم المتحدة من أجل تفعيل الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ قبل وبعد عام 2020.