فتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بمبادراته المتتالية التي أعادت اللحمة إلى الصف الخليجي، وعززت أواصره مجددا، ووحدت مواقف قادته، ثم مبادرته - أيده الله - لدعوة مصر بيت العرب إلى الاستجابة للموقف الخليجي، والعمل على بدء صفحة جديدة بغية إعادة صياغة العمل العربي المشترك، في وقت أحوج ما تكون فيه هذه الأمة إليه .. ثم تجاوب مصر قيادة وشعبا مع تلك المبادرة وخلال زمن قياسي، فتح - يحفظه الله - كل الطرق بحكمته وزعامته وبُعد نظره ومصداقيته أمام عودة التضامن العربي الذي مزقته الصراعات والدسائس واستبداد بعض الأنظمة، ودخول بعض الغرباء والمنتفعين على خطوطه ممن وجدوا الفرصة السانحة للنيل منه فيما سُمّي بالربيع العربي، والذي كشف عن المتربصين الذين استوقدوا فيه نيران الحروب والتعصب، وأضرموا فيه مواقد الفتن والنزاعات، لإلهائه عن قضيته الكبرى بتلك الصراعات الطائفية والمذهبية التي لم تنل من أمن شعوبه، وتغرق سواد أراضيه بالدماء وحسب، وإنما باتت تهدد بلدانه بنذر التقسيم والفرقة. ليقف حكيم الأمة كما وصفه عدد من الكتاب والمفكرين العرب في لحظة تاريخية، ليُعيد ترتيب صفوفه ابتداء من البيت الخليجي الذي لم يكن بمنأى عمّا يحدث هنا وهناك، وليجمع قياداته على موقف واحد، يقطع الطريق على تلك المآرب التي ما أرادت له إلا المزيد من الانزلاق في أتون الخلافات، والانصراف بالنتيجة عن قواعد التنمية واستحقاقاتها إلى التعامل مع أحداثه المتلاحقة، ثم ليدشن عهدا جديدا لاحت معه كل بوادر التضامن العربي، عبر ذلك العدد الهائل من ردود الفعل الإيجابية التي حظيت بها المبادرات السعودية. ولأنه عبدالله بن عبدالعزيز الملك والزعيم الذي يحمل في سجل زعامته سفرا ضخما ورصيدا هائلا من الثقة في الأوساط العربية والإسلامية والدولية، ويحتل بمواقفه المشرفة والعادلة والنزيهة في قلوب أبناء الأمة ما يجعل من أي مبادرة يقوم بها بمثابة صِمام الأمان الذي يُوصِد كل أبواب الفتن، ويفتح سُبل الخير والعدل والسلام، فقد تلقفت كل الأوساط السياسية والفكرية والشعبية تلك المبادرات بما تستحق من التبجيل والعناية، لتؤسس من خلالها قواعد جديدة، لا بد وأن تقود هذه الأمة إلى التضامن، وتوحيد الصف والكلمة، لتخرج تلك الأقطار التي امتدت إليها أيادي العبث من دوامة الاقتتال،، ولتطفئ نيران الصراع العبثي، إيذانا بمرحلة يتم فيها إسكات صوت البنادق لصالح الحوار الهادئ والمتعقل، وصولا إلى الكلمة السواء، التي تجمع ولا تفرق، وتوحد ولا تشتت. لقد ظل خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - طيلة الوقت يعمل بجد على هذا الهدف الوحدوي، ويوظف زعامته لهذا الغرض، وحينما دق ناقوس الخطر بشكل جلي، وأصبح ملء الأسماع، كان لزاما أن يتحرك الزعيم الذي يحظى بثقة الأمة إلى لعب الدور الأهمّ، والذي تجلى في هذه المبادرات الذكية والحاسمة التي وضعت الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية حفاظا على الأمة وسيرورتها، ليعيد وضع القطار العربي على قضبان الطريق تمهيدا لإطلاقه في الاتجاه الصحيح الذي يُجنبه الانحراف، أو الاستجابة للطرق الفرعية التي تريد أن تبعثه إلى تلك المحطات البعيدة عن غاياته وأهدافه الاستراتيجية، الأمر الذي زف معه كل البشائر النبيلة بعودة حميدة لتضامن الأمة بمفرداتها وشعوبها وقياداتها، وتنوعها الفكري والثقافي والديني، والذي يُشكل بالتأكيد مصدر ثرائها وغناها، في موقف لا يُمكن أن يتحقق بمثل هذه السرعة وهذه الآلية، إلا لمن يمتلك رصيدا هائلا من الثقة في ضمير هذه الأمة وشعوبها. نعم .. لقد مهّد عبدالله بن عبدالعزيز بمبادراته النابغة كل الطرق باتجاه حالة من التضامن العربي، لاحت بشائرها اليوم في عيون الجميع.. مثل اشتعال برق المزون على وديان العطش والتصحر.